يَقُول، سَمِعت ابْن عُيَيْنَة يَقُول: نخطى ونصحف وندلس وَلَا نكذب.
حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِم عَنْ أبي عُبَيْدة قَالَ: كَانَ أَبُو النشناش النَّهْشَلِي من ولد مخربة بْن أبير بْن نهشل وَأم أَبِي جهل والْحَارث ابْني هِشَام أَسمَاء بنت مخربة وَكَانَ أَبُو النشناش يُصِيب الطَّرِيق، فَطلب فخاف وَأَنْشَأَ يَقُول:
وسائلةٍ أَيْن ارتحالي وسائلٍ ... وَمن يسْأَل الصعلوك أَيْن مذاهبه
ودويةٍ تيهاء يخْشَى بهَا الردى ... سرت بِأبي النشناش فِيهَا ركائبه
ليدرك ثأرًا أَو ليكسب مغنمًا ... جزيلا وَهَذَا الدَّهْر جم عجائبه
إِذا الْمَرْء لم يسرح سوامًا وَلم يرح ... سواما وَلم تعطف عَلَيْهِ أَقَاربه
فللموت خير للفتى من قعوده ... عديمًا وَمن مولى تدب عقاربه
وَلم أر مثل الْفقر ضاجعه الْفَتى ... وَلَا كسواد اللَّيْل أخفق صَاحبه
فمت معدمًا أَو عش كَرِيمًا فإنني ... أرى الْمَوْت لَا ينجو من الْمَوْت هاربه
ودع عَنْك مولى السوء والدهر إِنَّه ... ستكفيه أَيَّام لَهُ ونوائبه
تلقى عدوا مرّة فَيردهُ ... إِلَيْك وتلقاه وَقد لَان جَانِبه
فَأَنْشد عبد الْملك هَذِه القصيدة فَلَمَّا سمع قَوْله: وَلَا كسواد اللَّيْل أخفق صَاحبه قَالَ: لص وَرب الْكَعْبَة، وَأمر بِطَلَبِهِ فَطلب فأعجز.
قَالَ القَاضِي رَحمَه الله: قَوْله يسرح سواما يَعْنِي الغدو بالماشية إِلَى المسرح إِلَى الرَّعْي. وَلم يرح يَعْنِي الرواح إِذا أراحت من المرعى قَالَ الله تَعَالَى وَذكر إنعامه على خلقه بِمَا سَخَّرَهُ لَهُم من الْأَنْعَام وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ النَّحْل: 6 وَقَوله: فإنني أرى الْمَوْت لَا ينجو من الْمَوْت هاربه فَأتى بِالْمَوْتِ ثَانِيًا بالإظهار فِي الْموضع الَّذِي بَابه الْإِضْمَار لتقدم اسْمه ظَاهرا، لإِقَامَة وزن الشّعْر، وَلَو أَتَى بِهِ فِي منثور الْكَلَام لَكَانَ أظهر، وَنَحْو هَذَا أَن تَقول: فإنني أرى الْمَوْت لَا ينجو مِنْهُ هاربه، وَقد أَتَى مثل هَذَا كثير فِي الشّعْر، من ذَلِك قَول الشَّاعِر:
لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء ... نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا
وَقَالَ آخر:
إِذا الْوَحْش ضم الْوَحْش فِي ظللاتها ... سواقط من حرٍ وَقد كَانَ أظهرا
وَقد قَالَ الله تَعَالَى ذكره " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ " النُّور: 42 فَحَمله قوم على أَنه جَاءَ على هَذَا لِأَن الْإِظْهَار فِيهِ والإضمار وَاحِد، وَلَيْسَ الْأَمر على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَتَى الْإِظْهَار هَاهُنَا لتعظيم الْقِصَّة، وَلما فِي إِعَادَة ذكر