وَأَرْجُو أَن يُغير الله مَا أَصْبَحْنَا مِنْهُ ممتعضين، وأمسينا مَعَه مرتمضين، ويشفي صُدُور قوم مُؤمنين، وَيذْهب غيظ قُلُوب الأماثل من الْعلمَاء المبرزين، فقد بلغ مِنْهُم مَا يرَوْنَ من تَقْدِيم الأراذل الضلال، والأداني الْجُهَّال، حَتَّى صدرُوا فِي مجَالِس علم الدَّين، وَقدمُوا فِي محافل وُلَاة أُمُور الْمُسلمين، وصيروا قُضَاة وحكاماً ورؤساء وأعلاماً، دون ذَوي الأقدار، وأولي الشّرف والأخطار، وَكثير مِمَّن يشار إِلَيْهِم مِنْهُم لَا يفهم من كتاب الله آيَة، وَإِن تعَاطِي تلاوتها لحن فِيهَا، وأتى بِخِلَاف مَا أنزل الله مِنْهَا، وَلَا كتبُوا سنة من سنَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَلَا دورها، وَإِن تكلفوا ذكرهَا أحالوها، وآتو بهَا على غير وَجههَا، وَلَا عرفُوا شَيْئا من أَبْوَاب الْعَرَبيَّة وتصريفها، وَلَا لَهُم حَظّ من الفلسفة وأجزائها، وَمَعَ هَذِه فقد اتّفق لبَعْضهِم من فريق قد شدا من الْعلم طرفا، ونال مِنْهُ حظاً، عدد يعظمونه ويغلون فِي تَعْظِيمه وتقديمه على أنفسهم، وَإِن كَانَ أَسْوَأ حَالا وأخفض عقلا مِنْهُم، كَمَا عبد الْأَصْنَام من هُوَ أَعلَى منزلَة مِنْهَا بِالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَة، وَالْعلم والمعرفة، والبطش وَالْقُوَّة، وَالتَّصَرُّف وَالْحِيلَة، وأقدم هَؤُلَاءِ الأغمار على الشَّهَادَة بالزور لمن وَصفنَا جَهله وسقوطه، بإضافتهم إِلَيْهِ من الْعلم بِمَا هُوَ أَجْهَل النَّاس بِهِ، وأبعدهم من مَعْرفَته لميلهم إِلَى بعض ضلالاته، وأنسهم بِكَثِير من خساراته، وَإِن كَانَت بِخِلَاف مَا يعذرُونَ فِيهَا من مُوَافَقَته، فقد صَارُوا سخرياً مسخوراً مِنْهُم، وسخريا مسخرين لتقليد من وَصفنَا صفته، وَاسْتمرّ هَذَا الْفَرِيق الْمَغْرُور على إتباع حزب الشَّيْطَان الَّذين اغتروا بهم، وبذلوا المناصرة لَهُم وممالأتهم ومضافرتهم وإعزازهم، ومظاهرتهم وتأييدهم ومؤازرتهم، واستفزهم مَا يزخرفونه لَهُم من كَلَامهم، وَإِن كَانَ مسترذلاً، ومخطأً ملحناً، عِنْد من أَعْلَاهُ الله من أفاضل الْعلمَاء عَلَيْهِم، وأبانهم بِالْعلمِ والتفقه فِي الدَّين مِنْهُم، إِذْ أَكثر مَا يأْتونَ بِهِ من الهجر الَّذِي يُسَمِّيه قوم الهاذور، وبمنزلة من قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء:
هذريان هذر هذاءة ... موشك السقطة ذُو لب نثر
واستنزلهم من عبارتهم مَا هُوَ من نوع هجر باعة القميحة السفوفيين، وتنميق هَذِه أَصْحَاب الْفَاكِهَة والرياحين، وهذيان أهل الْحِكَايَة والمخيلين، فَلَمَّا وَصفنَا جنحنا إِلَى الصَّبْر، واستصحبنا، الخمول رَجَاء إنعام الله بالإعانة والنصر، وَذكرت - فِي وقتي هَذَا عِنْد إثباتي مَا أثْبته من حَال ذَوي النَّقْص الَّذِي يَتَقَلَّبُونَ فِي دولة، وَإِن كَانُوا من باطلهم فِي بولة، على أَنَّهَا سَحَابَة صيف عَن قَلِيل تقشع - خَبرا حَدثنَا بِهِ مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمَرْزُبَان، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مهْدي الأبلي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن السايح، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب بن سَابُور، قَالَ: سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ ينشد هَذِه الأبيات: