القليلة اللَّبن. وَأرى أَنه قيل على التفاؤل بالغزر كَمَا قيل للعطشان ناهل، وللضرير بَصِير، وللديغ سليم، فِي قَول كثير مِنْهُم. أَلا ترى إِلَى قَول الشَّاعِر:
وَقد حُكيَ شَاة لجبة بِالْفَتْح، وَحكى الْكسَائي عَن الْعَرَب فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ لجبة ولجبة، فعلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ يكون لجبات جَارِيا على أَصله وَقِيَاسه وَغير خَارج عَن بَابه. وَأما قَوْلهم لقبيلة من قُرَيْش العبلات فَإِنَّهُ تقرر فِي أَصله اسْما وَخرج أَن يكون صفة ونعتًا. قَالَ الشَّاعِر فِي لُغَة هُذَيْل الَّتِي قدمنَا ذكرهَا:
أَبُو بيضاتٍ رائح متأوب ... رَفِيق بمسح الْمَنْكِبَيْنِ سبوح
وَقد اخْتلف أهل الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ فِي عِلّة تَحْرِيك عين فعلات بِحَيْثُ وَصفنَا وفعلة مِنْهُ سَاكِنة الْعين، فَقَالَ أَكْثَرهم: فعل هَذَا ليفرق بَين الْأَسْمَاء فِي هَذَا الْبَاب وَبَين النعوت، وَكَانَت الْأَسْمَاء لخفتها أحمل للحركة والنعوت أولى بالتسكين لثقلها وَأَنَّهَا تَأتي ثَانِيَة بعد الْأَسْمَاء. وَقَالَ بَعضهم: فعلات فِي هَذ1 الْبَاب فِيهَا تاءان فِي الأَصْل وَالتَّقْدِير، وإحداهما هَاء تنْقَلب فِي الْوَقْف تَاء كَقَوْلِك جَفْنَة وَكَانَ التَّقْدِير فِي جمعهَا جفنتات لِأَن التَّاء الأولى لَازِمَة فِي الْوَاحِدَة وَالتَّاء الثَّانِيَة أَتَت للْجمع، فاكتفي بِإِحْدَاهُمَا جعلت حَرَكَة الْعين عوضا مِمَّا حذف، وَكَانَت الْأَسْمَاء أَحَق بِهَذَا لسعتها وخفتها، وَلم يُؤْت بهَا فِي النعب للتَّخْفِيف. وَقد حكى امْرَأَة صعدة، كَأَنَّهَا صعدة تُوصَف بالطول تَشْبِيها بالقناة، يُقَال فِي يَد فلانٍ صعدة يَمَانِية، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
فِي كَفه صعدةً يَمَانِية ... فيا سِنَان كشعلة القبس
يَعْنِي وهجًا وَمثله:
صعدة قد ثبتَتْ فِي حائرٍ ... أَيْنَمَا الرّيح تميلها تمل
فأسكن هَاهُنَا المشبة والمشبه بِهِ وَهُوَ النَّعْت وَالِاسْم فِي الْوَاحِد، وَقَالُوا: نسْوَة صعدات فاسكنوا لِأَنَّهُ نعت، وكأنهن صعدات فحركوا لِأَنَّهُ اسْم.
قَالَ القَاضِي: وَهَذَا بَاب تتصل بِهِ أَبْوَاب تشاركه فِي أُصُوله وَلها أَحْكَام وَعلل، وفيهَا لُغَات تتشعب وتتفرع، وَهِي مرسومة على حُدُودهَا مقرونة بعللها فِي أَو إِلَى الْمَوَاضِع بهَا.
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن يُونُس بْن أبي اليسع أَبُو إِسْحَاق، قَالَ حَدَّثَنَا يحيى بْن جَعْفَر بْن عَبد اللَّه بْن أَبِي طَالب، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الشَّامي، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسلم وضمرة بْن ربيعَة عَن أَحْمَد بْن أَبِي حميدٍ عَن الْحسن قَالَ: مَا عرف الْخَيْر من لم يتبعهُ، وَلَا عرف الشَّرّ من لم يجتنبه، وَمَا أَيقَن عبد بِالْجنَّةِ وَالنَّار حق يقينهما إِلَّا رُؤِيَ ذَلِك فِي عمله، فَانْظُر مَا تجب أَن يكون مَعَك غَدا فقدمه الْيَوْم.