تَحِيَّة من أسديته مِنْك نعْمَة ... إِذا زار عَن شحط بلادك سلما
فَمَا كَانَ قيس هلكه هلك واحدٍ ... وَلكنه بُنيان قومٍ تهدما
ويروى: هلك واحدٍ، رفعا ونصبًا، فَمن نصب فعلى أَنه خبر كَانَ، وَجعل قَوْله هلكه بَدَلا من قيس، الْبَدَل الْمَعْرُوف بالاشتمال لاشْتِمَاله على الْمَعْنى، كَقَوْلِك أعجبني عَبد اللَّه علمه؛ الْمَعْنى: أعجبني علم عَبد اللَّه.
قَالَ الله تَعَالَى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قتالٍ فِيهِ " الْبَقَرَة: 217 الْمَعْنى: يَسْأَلُونَك عَن قتال فِي الشَّهْر الْحَرَام. وَمن هَذَا النَّوْع قَول الْأَعْشَى بهجو الْحَارِث بْن وَعلة:
لعمرك مَا أشبهت وَعلة فِي الندى ... شمائله وَلَا أَبَاهُ المجالدا
الْمَعْنى: شمائل وَعلة؛ وَالْبدل فِي الْكَلَام لَهُ أَقسَام وفروع وَأَحْكَام، والكوفيون يعبرون عَن هَذَا الْبَاب بالتكرير والترجمة والإتباع، ولبسطه وَشَرحه مَوضِع هُوَ أولى بِهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي غير مَوضِع من كتبنَا وضمنا طرفا مِنْهُ فِي كتَابنَا الْمُسَمّى الشافي فِي طَهَارَة الرجلَيْن.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ عَامِرُ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الْعُتْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ إِلَى الْكُوفَةِ اجْتَمَعَ ابْنُ عباسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَ: فَضَرَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جَنْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَتَمَثَّلَ:
يَا لَكِ مِنْ قبرةٍ بِمَعْمَرٍ ... خَلا لَكَ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفُرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
خلا وَالله يَا ابْن الزُّبَيْرِ الْحِجَازُ وَصَارَ الْحُسَيْنُ إِلَى الْعِرَاقِ؛ قَالَ فَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ مَا تَرَوْنَ إِلا أَنَّكُمْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا يَرَى مَنْ كَانَ فِي شكٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَمِنْ ذَلِكَ عَلَى يَقِينٍ، وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ نَفْسِكَ: لِمَ زَعَمْتَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ؟ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لِشَرَفِي عَلَيْهِمْ قَدِيمًا لَا يُنْكِرُونَهُ، قَالَ: فَأَيُّمَا أَشْرَفُ أَنْتَ أَمْ مَنْ شَرُفْتَ بِهِ؟ قَالَ: إِنَّ الَّذِي شَرُفْتُ بِهِ زَادَنِي شَرَفًا. قَالَ: وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ ابْنُ أَخٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: يَا ابْن عَبَّاس دَعْنَا من قَوْلك فو الله لَا تُحِبُّونَا يَا بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا، قَالَ: فَخَفَقَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِالنَّعْلِ وَقَالَ: أَتَتَكَلَّمُ وَأَنَا حَاضِرٌ؟، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَ ضَرَبْتَ الْغُلامَ وَمَا اسْتَحَقَّ الضَّرْبَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ من مرق ومذق؟ قَالَ: يَا ابْن عَبَّاسٍ أَمَا تُرِيدُ أَنْ تَعْفُوَ عَنْ كَلِمَةٍ وأحدةٍ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَعْفُو عَنْ مَنْ أَقَرَّ فَأَمَّا مَنْ هَرَّ فَلا؛ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَأَيْنَ الْفَضْلُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَا نَضَعُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَنَنْدَمَ، وَلا نَزْوِيهِ عَنْ أَهْلِهِ فَنَظْلِمَ، قَالَ: أَوَلَسْتُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلَى إِنْ نَبَذْتَ الْحَسَدَ وَلَزِمْتَ الْجَدَدَ؛ قَالَ: فَاعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَسْكَتُوهُمَا.