وَرَحمته وسعة ملكه وجوده وَكَرمه، وَيَدْعُو إِلَى تَوْجِيه كل رَاغِب إِلَيْهِ رغبته ومسألته ومغفرته وإنزاله كل حَاجَة بِهِ ثِقَة بتفضله وإيمانًا بِأَنَّهُ الْملك الْأَعَز الأكرم وَحده الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء، وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ، وَأَنه لَا ملْجأ وَلَا منجى مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَأَن الْفضل كُله بِيَدِهِ، اللَّهُمَّ فَاغْفِر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا واكشف كروبنا وطهر قُلُوبنَا فقد فرطنا فِي أمورنا وظلمنا أَنْفُسنَا، وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللَّهُمَّ وأجرنا من سخطك واعصمنا من معصيتك ووفقنا لطاعتك وأعنا على عبادتك وأوزعنا شكر نِعْمَتك وألهمنا ذكرك، وَيسر لنا الْحَلَال الطّيب من رزقك وألبسنا عافيتك وَافْتَحْ لنا أَبْوَاب فضلك وأحينا متقلبين فِي نعمك منعمين بخيرك وَاخْتِمْ لنا خير خَاتِمَة وَأَكْرمنَا بِحسن المنقلب، وَاجعَل قبضك إيانا رَاحَة لنا من فتن الدُّنْيَا ومهالكها ومفضيًا بِنَا إِلَى روح الْجنَّة وممالكها، إِنَّك جواد كريم رؤوف رَحِيم.
حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم عَنِ الْعُتْبِي قَالَ: لما حضرت عبد الْملك بْن مَرْوَان الْوَفَاة جمع وَلَده وَفِيهِمْ مسلمة وَكَانَ سيدهم فَقَالَ: أوصيكم بتقوى الله تَعَالَى فَإِنَّهَا عصمَة بَاقِيَة وجنة واقية، وَهِي أحصن كهفٍ وأزين حلية، وليعطف الْكَبِير مِنْكُم على الصَّغِير، وليعرف الصَّغِير مِنْكُم حق الْكَبِير، مَعَ سَلامَة الصُّدُور، وَالْأَخْذ بجميل الْأُمُور، وَإِيَّاكُم الْفرْقَة وَالْخلاف فبهما هلك الْأَولونَ، وذل ذَوُو الْعِزَّة المعظمون. انْظُرُوا مسلمة فاصدروا عَن رَأْيه فَإِنَّهُ نابكم الَّذِي عَنْهُ تفترون ومجنكم الَّذِي بِهِ تستجنون، وأكرموا الْحجَّاج فَإِنَّهُ وطأ لكم المنابر وَأثبت لكم الْملك، وَكُونُوا بني أم بَرزَة وَإِلَّا دبت بَيْنكُم العقارب، كونُوا فِي الْحَرْب أحرارًا وللمعروف منارًا، واحلولوا فِي مرارةٍ، ولينوا فِي شدَّة، وضعُوا الذَّخَائِر عِنْد ذَوي الْحساب والألباب، فَإِنَّهُ أصون لأحسابهم وأشكر لما يسدى إِلَيْهِم. ثُمَّ أقبل على ابْنه الْوَلِيد فَقَالَ: لَا ألفينك إِذا مت تجْلِس تعصر عَيْنَيْك وتحن حنين الْأمة، وَلَكِن شمر وائتزر والبس جلدَة نمر ودلني فِي حفرتي وخلني وشأني وَعَلَيْك وشأنك، ثُمَّ ادْع النَّاس إِلَى الْبيعَة فَمن قَالَ هَكَذَا فَقل بِالسَّيْفِ هَكَذَا. ثُمَّ أرسل إِلَى عَبد اللَّه ابْن يزِيد بْن مُعَاوِيَة وخَالِد بْن أسيد فَقَالَ: هَل تدريان لم بعثت إلَيْكُمَا؟ قَالَا: نعم لترينا أثر عَافِيَة الله تَعَالَى إياك، قَالَ: لَا، وَلَكِن قد حضر من الْأَمر مَا تريان، فَهَل فِي أنفسكما من بيعَة الْوَلِيد شَيْء؛ فَقَالَا: لَا، وَالله مَا نرى أحدا أَحَق بهَا مِنْهُ بعْدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ: أولى لَكمَا، أما وَالله وَلَو غير ذَلِك قلتما لضَرَبْت الَّذِي فِيهِ أعينكما، ثُمَّ رفع فرَاشه فَإِذا السَّيْف مَشْهُور، وَلم يزل بَين مقالتين حَتَّى فاظ، مقَالَته الأولى:
فَهَل من خالدٍ إِمَّا هلكنا ... وَهل بِالْمَوْتِ يَا للنَّاس عَار
ومقالته الثَّانِيَة: الْحَمد لله الَّذِي لَا يُبَالِي من أَخذ من خلقه أَو ترك، صَغِيرا أَو كَبِيرا،