لَا تسأله؟ فاجتهدتُ فِي اخْتِيَار مسألةٍ سهلة لأقارب يَعْقُوب، فَقلت لَهُ: مَا وزن " نكتل " من الْفِعْل من قَول اللَّه تَعَالَى: " فَأرْسل مَعنا أخانا نكتل " فَقَالَ لي: نَفْعل، فَقلت: يَنْبَغِي أَن يَكُون ماضيه كتل، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وَزنه إِنَّمَا هُوَ نفتعل، فَقلت لَهُ: نفتعل كم هُوَ حرفٌ؟ قَالَ: خَمْسَة أحرف، فَقلت لَهُ: فنكتل كم حرفٌ هُوَ؟ قَالَ: أَرْبَعَة أحرف، فَقلت: لَهُ أَيكُون أَرْبَعَة أحرف بِوَزْن خَمْسَة أحرف، فَانْقَطع وخجل وَسكت، فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك: فَإِنَّمَا تَأْخُذ كُلّ شهر ألفي دِرْهَم عَلَى أنَّكَ لَا تحسن مَا وزن نكتل؟ فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ لي يَعْقُوب: يَا أَبَا عُثْمَان! هَلْ تَدْرِي مَا صنعت؟ فَقلت لَهُ: واللَّه لقَدْ قاربتُك جهدي، وَمَا لي فِي هَذَا ذنبٌ
قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج: نكتل فِي هَذَا الْموضع هُوَ فِي أوَّليته وابتدائيته فِي ماضيه ومستقبله: كال يَكِيل عَلَى فَعَلَ يَفعِل، مثل مَال يمِيل وَقِيَاسه فِي أصل تَقْدِيره كيل يَكْيِلُ، نَظِيره من الصَّحِيح ضَرَب يَضْرِبُ، إِلا أَن الْيَاء فِي كيل انقلبت ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَالْألف لَا تكون إِلا سَاكِنة إِلا أَنَّهَا فِي نِيَّة حَرَكَة ونقلت كسرة الْيَاء فِي الْمُضَارع ونقلتْ كسرتُها إِلَى الْكَاف وَكَانَت سَاكِنة، فَكسرت إِذْ لَمْ يستقم التقاءُ الساكنين فَصَارَ نكتل، وَقيل فِي الْجمع: كِلْنا نكتل، ثُمّ لما زيدت التَّاء دلَالَة عَلَى الافتعال قِيلَ: اكتال نكتال وَأَصله اكتيل يكتيل، نَحْو افتعل يفتعل نَظِيره من الصَّحِيح: اكتتب يكتتب واكترث يكترث واستبق يستبقُ ثُمّ قلبت الْيَاء من اكتيل ألفا لتحركها وانفتاح مَا قيلها، فَصَارَ اكتال ومضارعه يكتال، وَأَصله يكتيل، وَفِي الْجمع نكتيل وَزنه نفتعل، فَلَمَّا قِيلَ نكتل فأعرب بِالْجَزْمِ إِذْ هُوَ جوابُ الْأَمر اقْتضى الْجَزْم سُكُون اللَّام، فَالتقى ساكنان اللَّام وَالْألف المنقلبة من الْيَاء فَأسْقطت الْألف لذَلِك فَبَقيَ نكتل، ووزنه فِي الأَصْل نفتعل ثُمّ لما حُذفت الْألف المنقلبة من الْيَاء وَهِي عين الْفِعْل صَار نكتل فوزنه نفتل، عَلَى طَريقَة التَّحْرِير وتمييز الزَّوَائِد من الْأُصُول بالعبارة عَنِ الأصليات بِالْفَاءِ وَالْعين وَاللَّام وَتَسْمِيَة الزَّوَائِد بأنفسها، أَلا ترى أَنَا نقُول فِي وزن جهور أَنَّهُ فعول فيعبر عَنِ الْجِيم وَالْهَاء وَالرَّاء الأصليّات بِالْفَاءِ وَالْعين وَاللَّام، وَتَأْتِي باسمها الْوَاو فَهِيَ الزِّيَادَة إِذْ لَيست من الْفِعْل فَاء وَلا عينا وَلا لامًا، وَيَعْقُوب لما رَأَى نكتل مُوَافقا لوزن نَفْعل تسرع إِلَى مَا أجَاب بِهِ مَعَ ذُعْر المحنة وإزعاج البديهة وهيبة الحاثِّ لسائله عَلَى شراسة خلقه وإشفاقه من تَشَعُّثِ مَنْزِلَته عِنْده، وَقطع مَادَّة الْمَعيشَة من جِهَته.
وَوزن أَلْفَاظ الْكَلم تَأتي عَلَى جِهَات مُخْتَلفَة بِحَسب أغراض الوازنين، وعَلى قدر تَرْتِيب الصِّنَاعَة من المقابلين، والنحويون يزنون الْحُرُوف عَلَى أخْصَر من وزن العروضيِّن، لأَنهم يقابلون فِي الزِّنَة الْحَرَكَة بجِنْسها من التحريك الَّذِي هُوَ خلاف السّكُون ونوعها إِن ضَمًّا وَإِن فَتْحًا وَإِن كَسْرًا، عَلَى اخْتِصَاص كُلّ وَاحِد من هَذِه الأنحاء دون صَاحبه، والعناية بِذَات الْحَرْف دون الإِعراب والتنوين وَمَا يُزَاد ويحذف خَطًّا ولفظًا، والعروضيُّون