عَلَى الصيِّام وَالْقِيَام وَطلب الْخَيْر، فأقمتُ عِنْده حَتَّى تهَيَّأ لصَاحب الثغر الغَزْوُ، وخَفّ مَعَه عشرَة آلَاف من الْمُطَوِّعَة، فَقدم ابْنه وَكَانَ حَدَثًا، وَكَانَ ربُّ منزلي فِيمَن خرج فخرجتُ بِخُرُوجِهِ، فَلَمَّا أوغلنا فِي بِلَاد الْعَدو دَلَف إِلَيْنَا جمعٌ عظيمٌ فوقفنا لَهُم وَأَقْبل الْفَتى يحرِّض الناسَ ثُمّ برز الشَّيْخ فَتكلم، وقَالَ: هَذِهِ أَبْوَاب الجَنَّة فافتحوها بسيوفكم، فَحمل الْفَتى فأصيب، وَحمل الشيخُ ربُّ منزلي فأصيب رحمهمَا اللَّه، ثُمّ إِن اللَّه تَعَالَى منحنا أكتاف العَدُوِّ فَقَتَلْنَا وأسرنا ورجعنا إِلَى مواضعنا، فخفرنا لمن أكْرمهم اللَّه بِالشَّهَادَةِ فدفناهم، ودفنا الشَّيْخ، وسوينا عَلَيْه لحده، فارْتَجَّت الأرضُ ورجَفَتْ بِنَا، ثُمّ لَفَظَت الشَّيْخ فَوَقع عَلَى عشرَة أَذْرع من قَبره، فَقُلْنَا: رَجْفَة أَوْ زَلْزَلة، فَحَفَرْنَا لَهُ قبرًا آخر وسَوَيَّنا عَلَيْه، فسمعنا مَا هُوَ أهول وأفظع، ولَفَظَتْ بِهِ الأَرْض أبعد من ذَلِكَ الْموضع، فَحَفَرْنَا لَهُ قبرًا ثَالِثا ودفناه، فجاءتُ هدةٌ طاشت مِنْهَا عقولنا ولفظته الأَرْض، وَسَمعنَا هاتفًا يَقُولُ: أيتها الْعِصَابَة! إِن هَذَا الرَّجُل لَمْ يزل يَدْعُو اللَّه أَن يَجْعَل مَحْشَرَهُ مِن بُطون السِّباع وحواصل الطير، فدعُوه إِن اللَّه جلّ جَلَاله قَدْ سَمِع نداه، فتركناه وانصرفنا.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم بْن جَعْفَر الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ: إِسْحَاق يَعْنِي ابْن إِبْرَاهِيم الْمَوْصِلِيّ، قَالَ شبيبُ بْن شَيْبَة:
دخل خَالِد بْن صَفْوَان التَّميْميّ عَلَى أَبِي الْعَبَّاس وَلَيْسَ عِنْده أحد، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! إِنِّي واللَّه مَا زلتُ منذُ قلَّدك اللَّه تَعَالَى خلَافَة الْمُسْلِمِين إِلا وَأَنا أحبّ أَن أصير إِلَى مثل هَذَا الْموقف فِي الْخلْوَة، فَإِن رَأَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإمساك الْبَاب حَتَّى أفرغ فعل، قَالَ: فَأمر الحاجبَ بِذَلِك، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِنِّي فَكرت فِي أَمرك، وأَجَلْتُ الْفِكر فِيك فَلم أر أحدا لَهُ مثل قَدْرِك، وَلا أقل استمتاعًا فِي الِاسْتِمْتَاع بِالنسَاء مِنْك، وَلا أضيق فِيهِنَّ عَيْشًا، إِنَّك ملكتَ نَفسك امْرَأَة من نسَاء الْعَالمين واقتصرت عَلَيْهَا، فَإِن مَرضَتْ مَرِضْتَ، وَإِن غابتْ غبت، وَإِن عَرَكَتْ عَرَكْتَ، وحَرَمْتَ نَفسك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين التلذُّذ باستطراف الجَوَارِي وبمعرفة اخْتِلاف أحوالهن، والتلذُّذ بِمَا يُشتهى مِنْهُنَّ؟ إِن مِنْهُنَّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الطَّوِيلَة الَّتِي تشْتَهى لجسمها، والبيضاء الَّتِي تحب لروعتها، والسَّمْراء اللَّعْسَاء، والصَّفراءُ العجزاءُ، ومولدات الْمَدِينَة والطائف واليمامة ذَوَات الألسن العذبة وَالْجَوَاب الْحَاضِر، وَبَنَات سَائِر الْمُلُوك، وَمَا يشتهى من نظافتهن وَحسن هندامهن، وتخلل بِلِسَانِهِ فأطنب فِي صِفَات ضُروب الجَوَارِي وشَوَّقَهُ إلَيْهِنَّ، فَلَمَّا فرغ خَالِد، قَالَ: وَيحك! مَا سلك مسامعي واللَّه كلامٌ قطّ أحسنَ من هَذَا، فأعدْ عليَّ كلامك فقد وَقع مني موقعًا، فَأَعَادَ عَلَيْه خَالِد كَلَامه بِأَحْسَن مِمَّا ابتدأه، ثُمّ قَالَ: انْصَرف، وَبَقِي أَبُو الْعَبَّاس مُفكِّرًا فِيمَا سَمِع من خَالِد يُقَسّم أمره، فَبينا هُوَ يفكِّر إِذْ دخلت عَلَيْه أم سَلَمَة، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاس