كسْرَى فِي نَفسه: من أَيْنَ عَلِمَتْ مَا أضْمرتُ فِي نَفسِي؟ أما إِنِّي لَا أفعل ذَلِكَ، قَالَ: فَمَكثت ثُمّ نادتها، يَا بُنّية! قُومي إِلَى فُلَانَة، قَالَ: فَقَامَتْ إِلَيْهَا فَوَجَدتهَا جَافلا، فنادت أُمَّها: يَا أُمَّتاه! قَدْ واللَّه ذهب مَا كَانَ فِي نفس الْملك من الشَّرِّ هَذِهِ فُلَانَة جافل فاحتلبتُها، وَأَقْبل الصُّبْح وتتبَّع الرِّجَال إِثْر كِسْرى حَتَّى أَتَوْهُ، فَركب وَأمر بِحمْل الْعَجُوز وابنتها إِلَيْهِ فحملتا، فَأحْسن إِلَيْهِمَا، وقَالَ: كَيفَ علمت أَن الْملك قَدْ أضمر شَرًّا، وَأَن الشَّرّ الَّذِي أضمره قَدْ عَدَل عَنْهُ، قَالَت الْعَجُوز: أَنَا بِهَذَا الْمَكَان من كَذَا وَكَذَا مَا عُمل فِينَا بعدلٍ إِلا خَصْبَ بلدُنا واتسع عيشُنا، وَمَا عمل فِينَا بجورٍ إِلا ضَاقَ عيشُنا وانقطعت موادُّ النَّفْع عنّا.
قَالَ القَاضِي: قَول الْمَرْأَة فِي هَذَا الْخَبَر فُلَانَة يَعْنِي الْبَقَرَة، قَالَ كثير من أَهْل اللُّغَة: إِنَّمَا يُقَالُ فُلَانَة فِي الْمَرْأَة، فَأَما مَا عَداهَا من الْبَهَائِم وَغَيرهَا فَوجْهُ الْكَلَام أَن يُقَالُ: الفلانة، وَالْوَجْه الآخر عِنْدِي غير مستنكرٍ، إِذْ قَدْ كَانُوا يخصُّون كلَّ واحدٍ مِنْهُ التلقيب والتَّسْمية.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ الصَّيْدَانِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وُضِعَتِ الْمَائِدَةُ فَلْيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَلِيهِ، وَلا يَتَنَاوَلُ مِمَّا يَلِي جَلِيسَهُ، وَلا يَأْكُلُ مِنْ ذِرْوَةِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِيهَا مِنْ أَعْلاهَا، وَلا يَرْفَعِ الرَّجُلُ يَدَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ فَيَمْتَنِعُ مِنَ الطَّعَامِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَاجَة ".
قَالَ القَاضِي: وَفِي هَذَا الْخَبَر من أدب الطَّعَام وَحسن الْأكل والمؤاكلة، مَا يحِق عَلَى كُلّ ذِي لُبٍّ وحِجًى الْأَخْذ بِهِ، وَالله تَعَالَى يجازي نَبينَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمه إيانا أَوْلَى الْأُمُور فِي دِيننا ودُنيانا، أفضلَ مَا جَزَى نَبيا عَنْ أمته.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن الخَضِر، قَالَ: أَبُو بَكْر - أَظن عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كتب الْحَسَن بْن سهل إِلَى مُحَمَّد بْن سَمَّاعَة القَاضِي: أما بعد فَإِنِّي قَد احْتجتُ فِي أموري إِلَى رجلٍ جامعٍ لخصال الْخَيْر، ذِي عفةٍ ونزاهةٍ طُعمة، قَدْ هذبته الْآدَاب، وأحكمتْه التجارب، لَيْسَ بظنين فِي رَأْيه، وَلا بمطعون فِي حَسبه، إِن أُؤْتمِن عَلَى الْأَسْرَار قَامَ بهَا، وَإِن قُلِّد مُهِمًّا من الْأُمُور أدّى قبولَهُ، لَهُ سِنٌّ مَعَ أدبٍ ولسانٍ، تُقْعده الرَّزانة، ويسكته الْحلم، قَدْ فُرَّ عَنْ ذكاء وفطنة، وعض عَن قارحةٍ من الْكَمَال، تكفيه اللحظة، وتُرشده السَّكْتة، قَدْ أبْصر خدمَة الْمُلُوك وأحكمها، وَقَامَ بأمورهم فحذقها، لَهُ