يحفظ الْأُخوة بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، ويحرس الْخلَّة بَيْنَ الخليلين أَن يَلمّ أَحَدهمَا صَاحبه عَلَى شَعَثِهِ ويَهْضِمَ لَهُ نَفسه، وَمَتى لَمْ يفعل هَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ثِقَة من استبقائه وَكَانَ بِعرْض مُصارمته، وانقباضه عَنْهُ ومعارزته، وَبَيت النَّابِغَة فِي هَذَا الْبَاب أفحل وأوفى، وأجزل وأشفى، وَقَدْ كشف عَنِ الْعلَّة فِيمَا أَتَى بِهِ بقوله: أَيّ الرِّجَال المهذّب، فَأحْسن الْعبارَة عَنْ هَذَا الْمَعْنى: " مَنْ تَكُ يَوْمًا بأخيك كُلِّه "، وَقَدْ نَوَّه بَيت النَّابِغَة هَذَا رُواةُ الشّعْر ونَقَلَتِه، ونُقَّاده وجهابذته، واستحسنوا تكافُؤَ أَجْزَائِهِ، واستقلال أَرْكَانه، واشتماله عَلَى فِقَر قَائِمَة بأنفسها، كَافِيَة كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا، وَهَذَا من النَّوْع الْمُسْتَفْصح، والفن المستعذب، من أَعلَى طَبَقَات البلاغة، وَقَدْ أَتَى الْقُرْآن مِنْهُ بالكثير الَّذِي يقل مَا أَتَى مِنْهُ فِي الشّعْر إِذا قَيْس إِلَيْهِ، فَتبين للمميزين كثير فضل مَا فِي الْقُرْآن عَلَيْه، فَمنْ ذَلِكَ قولُ اللَّهِ جلّ وعَزّ: " فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كتابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ، لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ " وَلنَا فِي هَذَا الْبَاب رِسَالَة أبَنَّا فِيهَا رُجحان مَا فِي الْقُرْآن من هَذَا الْجِنْس عَلَى كثرته، عَلَى مَا أَتَى مِنْهُ فِي الشّعْر عَلَى قلته، فَلم نُطِلْ كتَابنَا هَذَا بإعادته، وَقَدْ ضممنا مَعَه شطرًا صَالحا كتَابنَا الْمُسَمَّى " الْبَيَان الْمُوجَزُ فِي عُلُوم الْقُرْآن المعجز " وَمن نظر فِيهِ أرشف عَلَى مَا يبتهج بدراسته، ويغتبط باستفادته بِتَوْفِيق اللَّه تَعَالَى وهدايته.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: حَدثنَا القربي، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِح بْن سَعِيد الضبعيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قَالَ الْوَلِيد بْن عَيَّاش بْن زُفر، خرج ثُمَامَة من منزل مُحَمَّد بن نوح العمكري مَعَ الْمغرب وَهُوَ سَكرَان، وَإِذَا هُوَ بالمأمون قَدْ ركب فِي نَفَر، فَلَمَّا رَآهُ ثُمامةُ عدل عَنْ طَرِيقه، وبَصُر بِهِ الْمَأْمُون فَضرب كفَلَ دَابَّته وحاذاه، فَوقف ثُمَامَة فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: ثُمَامَة؟ قَالَ: إِي واللَّه، قَالَ: سَكرَان؟ قَالَ: لَا واللَّه، قَالَ: أفتعْرِفُني؟ قَالَ: إِي واللَّه، قَالَ: من أَنَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي واللَّه، فَضَحِك الْمَأْمُون حَتَّى تثنى عَلَيْهِ عَنْ دَابَّته، ثُمّ قَالَ: عَلَيْك لعائنُ اللَّه، قَالَ: تَتْرى يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: فَعَاد فِي الضحك، وَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مَزْيَد، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاك بْن عُثْمَان، قَالَ: أَتَى عَبْد الْملك بْن مَرْوَان بفتًى من قُرَيْش قَدْ شرب نبيذًا، فَقَالَ: لَهُ أَيْنَ شربت؟ فَقَالَ:
شربتُ مَعَ الجوزاءِ كَأْسًا ريوةً ... وَأُخْرَى مَعَ الشِّعْرى إِذا مَا اسْتَقلَّتِ
مُعَتَّقَةً كَانَتْ قريشٌ تصونُها ... فَلَمَّا استحلُّوا قتلَ عُثْمَان حَلّتِ