لَاذَ لياذ، قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت فِي مصدر " لاوذ ":
وقريشٌ تفِرُّ مِنْهُم لِوَاذًا ... لَمْ يُقيمُوا وخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ
وقَالَ ذُو الرمة فِي مصدر " لَاذَ ":
تَلُوذُ من الشَّمْس أطْلاؤُهَا ... لِيَاذَ الغَرِيم من الطَّالِبِ
وَفِي استقصاء تصريف هَذَا الْجِنْس من الْأَفْعَال والمصادر، وذُكِر أُصُوله تَقْديرا وتقريرًا، وتمييز مقايسه تَفْصِيلًا وتحريراً، طولٌ، وَله مَوضِع وَهُوَ أولى بِهِ.
وَقَدْ تعلق نحاة الْكُوفِيّين عَلَى أَصْحَابنَا الْبَصرِيين بِأَنَّهُم قَد اتَّفقُوا عَلَى حمل الْمصدر فِي الإعتلال على الْفِعْل فأجروه مجْرى التَّابِع التَّالِي لَهُ، وَأَن هَذَا يدلُّ عَلَى صِحة قَوْلِ مَنْ قَدَّم الْفِعْل فَجعل المصدرَ مأخوذًا مِنْهُ، وَفَسَاد قَول الْبَصرِيين بِتَقْدِيم المصدرِ وَالْحكم بِأَنَّهُ أُخذ مِنْهُ الْفِعْل.
وللبصريِّين جوابٌ عَنْ هَذَا وانفصال مِنْهُ، وَذَلِكَ أَن كُره اخْتِلاف الْجُمْلَة واضطراب الْبَاب، وأوثر التَّوْفِيق بَيْنَ بعضه وَبَعض، فَلَمَّا حضر معنى أوْجَبَ اعتلال الْفِعْل اعَتَلَّ الْمصدر، عَلَى أَن المعتلَّ من المصادر مَا كَانَ متجاوزاً الأَصْل فَإِنَّهُ هُوَ أولٌ فِي الْحَقِيقَة لَهُ، أَلا ترى أَن أصل الْمصدر فِي الْقيام قَامَ قَوْمَةً وقَوْمًا عَلَى أصل الْقيَاس فِي التَّقْدِير، مثل: صَامَ صوما وعام عومًا ورام رومًا.
وَمن فَائِدَة الاخْتِلاف فِي أبنية المصادر يحصل الْفرق بَين الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة، كَقَوْلِهِم: وِجْدانٌ فِي المَال، وَوُجُود فِي الإِدراك، ومَوْجِدَةٌ فِي الْغَضَب، ووجدٌ فِي الْغنى، وجدةٌ فِي المَال، ووجدٌ فِي الحبِّ وَالْغَضَب، وَالْفِعْل فِيهِ كُلُّه وَجَد يَجِد، وفَرَّع المولَّدُون من هَذَا قَوْلهم: وجادةٌ: مَا كَانَ من الْعلم أَخَذَ من صحيفَة من غَيْر سَماع وَلا إجَازَة وَلا مناولة.
وَمثل هَذَا فِي الْأَسْمَاء الَّتِي حُفِظَتْ مصادِرُها يستفادُ بِهِ الْفرق فِي العَلاقَةِ بِالْفَتْح فِي الْمحبَّة وَالْخُصُومَة، والْعِلاقة بِالْكَسْرِ فِي السَّيْف وَالسَّوْط، وَلا خلاف فِي سبق هَذِهِ الْأَسْمَاء للأفعال وتقدمها عَلَيْهَا.
وومما يبين إيثارهم توفيق الْمَفْضُول فِي الجلمة وَإِن كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي لشَيْء مِنْهَا دون غَيره من بَابه حكما، فيُسْتَتْبَع مَا سواهُ وَإِن لَمْ يَكُنْ فِيهِ من العلَّة مَا فِيهِ، قَوْلهم: آمن، وأبدلوا من الهزة مَدَّة كَرَاهِيَة لِاجْتِمَاع الهمزتين، ثُمّ حملُوا عَلَيْه يُومن وتُومن ونُومن للتوفيق والتسوية، وَإِن كَانُوا قَدْ يقرونه عَلَى أَصله، ويتركون إِلْحَاقه بِمَا الْعِلَّة خَاصَّة فِيهِ.
وَفِي شرح هَذَا الْبَاب وَبسط القَوْل فِيهِ طول لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه، والفَرَّاء وَهُوَ مِنْ أَنْبَهِ مُخَالِفِي البَصْريَّين فِي هَذَا الفَضْل وأعلَمِهِم وأَنْظَرِهم فِي قِيَاسه واستدلاله قَد احْتج فِي اسْتِحْقَاق الْفِعْل الْمَاضِي الْفَتْح يحملهُ إِيَّاه عَلَى التَّثْنِيَة فِي قَوْلك: جَلَسَ وجَلَسَا، فألزم