فحدثنا أَبُو الْحَسَن بْن ظفران هَذَا من حفظه، بِمَا أَن موردٌ مَعْنَاهُ بِلَفْظ دون لَفظه عَمَّن حدّثه، قَالَ: كَانَ بالدّينَور شيخٌ يتشيَّع ويميل إِلَى مَذْهَب أَهْل الْإِمَامَة، وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْخُذُونَ عَنْهُ، ويدرسون عَنهُ، يُقَالُ: لَهُ بشر الجَعَّاب فَرفع صاحبُ الْخَبَر بالدِّينَوَر إِلَى المتَوَكل أَن بالدينور رَجُلا رافضيًّا يُحْضِرُ جمَاعَة من الرَّافِضة ويتدارسون الرَّفْض، ويسبُّون الصَّحابة، ويشتمون السَّلف، فَلَمَّا وقف المتَوَكل عَلَى كِتَابه أَمر وزيره عُبَيْد اللَّه بْن يَحْيَى بِالْكِتَابَةِ إِلَى عَامله عَلَى الدينور بإشخاص بشر هَذَا والفرقة الَّتِي تجالسه، فَكتب عُبَيْد اللَّه بْن يَحْيَى ذَلِكَ، فَلَمَّا وصل إِلَى الْعَامِل كِتَابه وَكَانَ صديقا لبشر الجعّاب، حسن المصافاة لَهُ، شَدِيد الإشفاق عَلَيْه، هَمَّهُ ذَلِكَ وشق عَلَيْه، فاستدعى بشرا وأقرأه مَا كُوتِب بِهِ فِي أمره وَأمر أَصْحَابه، فَقَالَ لَهُ بشر: عِنْدِي فِي هَذَا رَأْي إِن استعملته كُنْت غير مستبطىءٍ فِيمَا أمرت بِهِ، وَكنت بمنجاة مِمَّا أَنْت خَائِف عَليّ مِنْهُ، قَالَ: وَمَا هُوَ، قَالَ: بالدينور شيخ خَفَّاف اسْمه بشر وَمن الْمُمكن المتيسر أَن تجْعَل مَكَان الجعّاب الخَفّاف، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ عِنْدهم وَمَا نسبت إِلَيْهِ من الحرفة والصناعة، فسُر الْعَامِل بقوله وَعمد إِلَى العَيْنِ من الجَعَّاب فَغير عَيْنِهَا وَغير اسْتِوَاءَ خَطِّها وانبساطه، وَوصل الْبَاء بِمَا صَارَت بِهِ فَاء، وَكَانَ أخبرهُ عَنْ بشر الْخفاف أَنَّهُ رجلٌ فِي غَايَة البله والغفلة، وَأَنه هُزَأَة عِنْد أهل بَلَده وضُحكَة، وَذَلِكَ أَن أَهْل سَواد الْبَلَد يَأْخُذُونَ مِنْهُ الْخِفاف التَّامَّة والمقطوعة بنسيئة، ويَعِدُونَه بأثمانها عِنْد حُصُول الغَلَّة، فَإِذا حصلت وحازوا مَالهم مِنْهَا ماطلوه بِدِينِهِ، ولووه بِحقِّهِ، وَاعْتَلُّوا بأنواع الْبَاطِل عَلَيْه، فَإِذا انْقَضى وَقت البيادر، ودنا الشتَاء واحتاجو إِلَى الْخِفَاف وَمَا جرى مجْراهَا وافوا بشر هَذَا وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وخدعوه، وابتدوا يَعِدُونه الوفاءَ ويُؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة، والمعاهدة الْبَاطِلَة ويضمنون لَهُ أَدَاء الدُّيُون الْمَاضِيَة والمستأنفة، فَيحسُن ظَنُّه بهم ويستسلم إِلَيْهِم، ويستأنف إعطائهم من الْخِفاف وَغَيرهَا مَا يريدونه، فَإِذا حضرت الغَلَّةَ أجْرَوْه عَلَى الْعَادة وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا تقدم من السّنة ثُمّ لَا يزالون عَلَى هَذِهِ الوتيرة من أَخذ سلفه فِي وَقت حاجاتهم، وَدفعه عَنْ حَقه فِي أبان غلاتهم، فَلَا يَنْتبه من رقدته وَلا يفيقُ من سُكْره وغفلته، فأنفذ صَاحب الْخَبَر كِتَابه وَأَشَارَ بِتَقْدِيم هَذَا الخَفَّاف أَمَام القَوْل، والإقبال عَلَيْه بالمخاطبة وتخصيصه بِالْمَسْأَلَة، سَاكِنا إِلَى أَنَّهُ يَأْتِي من ركاكته وعِيِّه وفهاهته بِمَا يضْحك الْحَاضِرين ويحسم الِاشْتِغَال بالبحث عَنْ هَذِهِ الْقِصَّة، ويتخلَّص من هَذِهِ البلية، فَلَمَّا ورد كتاب صَاحب الْخَبَر أَعْلَم عُبَيْد اللَّه بْن يَحْيَى المتَوَكل بِهِ وبحضور الْقَوْم فَأمره أَن يجلس ويستحضرهم ويخاطبهم فِيمَا حُكِي عَنْهُمْ، وَأمر فعُلِّقَتْ بَينه وَبينهمْ سَبَنيَّة ليقف عَلَى مَا يجْرِي ويسمعه ويشاهده، ففُعل ذَلِكَ، وَجلسَ عُبَيْد اللَّه واستدعى المحضرين فقدموا إِلَيْهِ يقدمهم بشر الْخفاف، فَلَمَّا جَلَسُوا أقبل عُبَيْد اللَّه عَلَى بشر، فَقَالَ: أَنْت بشر الخَفَّاف فَقَالَ: نعم، فسكنتْ نفوسُ الْحَاضِرين مَعَه إِلَى تَمام هَذِهِ