قَالَ القَاضِي: وَقَدْ روينَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَة وَنَحْوهَا أَخْبَارًا كرهنا الإطالة باستيعابها، واكتفينا بِمَا أَثْبَتْنَاهُ فِي هَذَا الْموضع مِنْهَا، وفيهَا من إِعْلَام النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذكره فِيهَا من مَكَارِم الْأَفْعَال، ومحاسن الْأَعْمَال، وحَضِّه عَلَيْهَا، وَوَصفه مَا أَنْبَأَ عَنْهُ من الْفَضْل مِمَّا يَدْعُو كُلّ ذِي بَصِيرَة إِلَى الِانْقِطَاع إِلَيْهِ، والمواظبة عَلَيْه، وَقُوَّة الرَّغْبَة فِيهِ، والمنافسة فِي وفور الحظِّ مِنْهُ، وَهُوَ مؤكدٌ لما اسْتَقر فِي نفوس ذَوي الفطن السليمة حُسْنُه وشرفه، وَاسْتِحْقَاق الْأَخْذ بِهِ من الإجلال والتعظيم، والتشريف والتقديم، مَعَ عَظِيم مَا يُرْجَى لمن تخلَّق بِهِ من أَهْل الإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله، من جزيل الثَّوَاب، والفوز فِي المنقلب والإياب، والأمن من سوء الْحساب، وأليم الْعَذَاب.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صاعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن الْحَسَن المَرْوَزِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْهَيْثَم بْن جميل، يَقُولُ:
كَانَ الْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ يتَصَدَّق، حَتَّى إِذا لَمْ يبْق فِي يَده شيءٌ وَجَاء سائلٌ نزع خُصًّا كَانَ يَكُون أَمَام بَيته فَأعْطَاهُ السَّائِل، حَتَّى إِذا وجد شَيْئا اشْترى قصبًا وبناه، قَالَ: وَكَانُوا إِذا رَأَوْا بابَهُ بِغَيْر خُص علمُوا أَنَّهُ لَمْ يبْق عِنْده شَيْء.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، ثُمّ حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيّ قَالَ: التقى صَخْرُ بْن عَمْرو بْن الشَّرِيد السُّلَمِيّ وَرجل من بني أَسد، فطعن لأسدي صخرًا فَقِيل لصخر كَيفَ طَعَنَك، قَالَ: كَانَ رُمْحُه أطولَ من رُمْحِي بأُنْبُوب، فضمن صخرٌ مِنْهَا فطال مَرضه، وَكَانَت أُمّه إِذا سُئلت عَنْهُ، قَالَتْ: نَحْنُ بخيرٍ مَا رَأينَا سوادَه بَيْننَا، وَكَانَ امْرَأَته إِذا سُئِلت عَنْهُ، قَالَتْ: لَا حَيٌّ فُيْرجَى وَلا مَيِّتٌ فيُنْعَى، فَقَالَ صَخْر:
أرى أم صخرٍ لَا تَمَلٌّ عِيادتي ... ومَلَّتْ سُلَيْمَي مَضْجَعِي ومكاني
إِذا مَا امرؤٌ سَاوَى بأُمٍّ حَلِيلَة ... فَلَا عَاشَ إِلا فِي شقًا وهوان
لَعَمْري لقَدْ أيقظت من كَانَ نَائِما ... وأسمعتَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أذنان
بَصيرًا بوَجْهِ الحَزْمِ لَو أسْتطيعه ... وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ العَيْرِ والنزوان
قَالَ: القَاضِي قَوْله فضمن مَعْنَاهُ سَقِم وبَلِي جِسْمه، يَقُولُ: بفلان ضمانٌ مثل سقامٌ وضمانةٌ مثل زَمَانة، قَالَ ابْن الدُّمَيْنة:
أُمَيْم بقلبي مِنْ هَوَاكِ ضمانةٌ ... وأنتِ لَهَا لَو تَعلمين طبيبُ