ذَلِكَ مِنْهُ، فخلق سَمَكَة أكبر من النملة وأصغر من الجرادة، فَدخلت فِي مِنْخَرَيْهِ فضعف أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ثُمّ خرجت، ثُمّ إِذا أَرَادَ اللَّه يوْم زلزلةٍ تراءت لَهُ تِلْكَ السَّمَكَة فاضطرب من خوفها فاضطربت الأَرْض.
قَالَ القَاضِي: رُوينا فِي الزلزلة هَذَا القَوْل وَقَدْ جَاءَ فِي كثير من الْأَخْبَار أَنَّهَا من حَرَكَة الْحُوت واضطرابه من غَيْر ذكر السَّمَكَة المحكي فِي هَذَا الْخَبَر ودخولها فِي أَنفه، وَهِي فِي الْجُمْلَة من الْآيَات الَّتِي يخوف اللَّه بهَا عباده، ويَحُثُّ بهَا إِلَى طَاعَته، والتفكُّر فِي عجائب صَنعته، ومجانبة مَعْصِيَته.
والزلزلةُ يقلُّ حُدُوثُها فِي بعض الأرَضَين وَيكثر فِي بَعْضهَا، كَمَا يكثر الْمَطَر فِي بعض الْبلدَانِ كطبرستان ويقلُّ فِي بَعْضهَا كمصر، وَنَظِير هَذَا مَا يُشَاهد من الجَزْرِ والمدِّ فِي بعض الْأَنْهَار دون بعض وَقَدْ جَاءَ عَنْ بعض السّلف أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ سُئِل عَنِ الجزر والمدّ: إِن اللَّه تَعَالَى وكَّلَ مَلَكًا بقاموس الْبَحْر فَإِذا وضع قدمه فِيهِ فاض، وَإِذَا رَفعهَا غاض.
وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ ابْن عَبَّاس، وَأي الْوُجُوه كَانَ مَعْنَاهُ فَهُوَ من عَجِيب آيَات اللَّه تَعَالَى ذكره وبديع صَنعته، وَفِيه دَلِيل ظَاهر عَلَى توحيده ولطيف حكمته، وَظُهُور قدرته.
وَقَدْ ذكر عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنة أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَن سُفْيَان الثَّوْرِي أَو الْفُضَيْل بْن عِياض - أَنَا أَشُكُّ - أَخْبَرَنِي عَنِ الجَزْرِ وَالْمدّ لما صدقت، وَرَأَيْت غُلَاما لي وَأَنا مُصْعَد من الْبَصْرَة جَالِسا فِي جَانب السَّفِينَة نَاظرا إِلَى شاطىء دجلة مُنْذُ طُلُوع الشَّمْس إِلَى قريبٍ من زَوَالهَا ثُمّ أقبل علينا، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلا اللَّه، مَا أعجب هَذَا! أَنَا أراعي دجلة مُنْذُ غدوةٍ وَالْمَاء بِحَالهِ لَمْ يزدْ وَلَم يَنْقُص، فَعجب من فَقْدِه الجزر والمدَّ إِذْ لم يره ن. وأمّا مَا قَالَه المنجمون وَغَيْرُهُمْ من الفلاسفة فِي هَذَا فإننا لَمْ نؤثر ذكره فِي هَذَا الْموضع وَهَذَا معنى لَا يَقع الْعلم بِهِ إِلا بخبرٍ عَنِ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه أَوْ عَلَى لِسَان رَسُوله، وَلا ضَرَر عَلَى أحدٍ من الْخلق فِي فَوت الْعلم بِهِ، وَلَو كَانَ مِمَّا يحْتَاج الناسُ إِلَى مَعْرفَته، وكُلِّفُوا عمله، انصب اللَّه تَعَالَى جَدُّه لَهُم دَلِيلا عَلَيْه، وَجَعَل لَهُم سَبِيلا هاديًا إِلَيْهِ، فالاعتبار بِهِ وَاجِب، والإِيمَان بِأَنَّهُ حِكْمَة اللَّه وَصِحَّة تَدْبيره وَحسن تَقْدِيره لَازم، وَإِن ثَبت فِيهِ مَا يُحِيط الْعلمَاء من الْخلق بحقيقته عَمَّن يلْزم احجة بقوله، وَجب التَّسْلِيم لَهُ والدَّيْنُونة بِهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرياشي، عَنِ مُحَمَّد بْن سَلام، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شيخ من بني ضبة، قَالَ: رَأَيْتُ أعرابيًّا كَبِير السِّنِّ كثير المزاح، بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، وَهُوَ يجرُّ رجلَيْهِ حَتَّى وقف عَلَى مِسْعَرِ بْن كِدّام وَهُوَ يصلِّي، فَأطَال الصَّلاة والأعرابي وَاقِف، فَلَمَّا أعيا قعد، حَتَّى إِذا فرغ مِسْعَر من صلَاته سلم الأعرابيُّ عَلَيْه، وقَالَ لَهُ: خُذْ من الصَّلَاة كَفِيلا فتبسن مسعرٌ، وقَالَ: عَلَيْك بِمَا يُجْدِي عَلَيْك نَفْعُه، يَا شيخ كم تَعُد؟