ذكر فِي هَذَا الْخَبَر - حسنٌ فِي الدّين، جميلٌ فِي شَرِيعَة الْمُسْلِمِين، وتخلية إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم سَبيله وَترك تَعَقُّبِه بمكروه أَوْ عُقُوبَة صَوَاب، إِن كَانَت الْقِصَّة جَرَتْ عَلَى مَا حَكَاهُ، مِن عرضٍ لمُسلم أَوْ معاهدٍ يُرِيد بِهِ مَكْرُوها، بِغَيْر حقٍّ فِي نَفسه أَوْ مَاله، فحقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِين دَفْعُه عَمَّا قَصَده من ذَلِكَ وَشرع فِيهِ، وحَرْبُه وقتالُه إِن كَانَتْ لَهُ قُوَّة وَفِيه مَنَعَةٌ، وَإِن أَبى دَفَعهُم إِيَّاه بالطَّعْنِ وَالضَّرْب عَلَى نَفسه إِذْ كَانَ قصدهم دَفْعَه عَنْ ظلمه، وإعجازه عَمَّا يرومُه من بَغْيِهِ وعَدْوِه، ودَمُهُ وَمَا ناله من الْجراح فِي نَفسه وإتلافُ أعضائِهِ هدرٌ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلا دِيَة، وَلا إرْشَ وَلا حُكُومَة، وَلا تبعةَ وَلا عُقُوبة، وَلا غُرْم وَلا كَفَّارَة، وَهَذَا هُوَ القَوْل الْمَفْهُوم فِي الشَّرِيعَة والموروث بَيْنَ أهل الملَّة، والمستفيض بَيْنَ أَهْل الْقبْلَة، والمتقبل من مَذَاهِب خَاصَّة عُلماء الأئمَّة، وعامَّةُ الْأمة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَان، عَنِ الْعُتْبِي، قَالَ: لما تُوُفّي عَبْد الْملك بْن مَرْوَان أَسف عَلَيْه عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أسفا مَنعه عَنِ الْعَيْش وَكَانَ نَاعِمًا فاستشعر مِسْحًا تَحت ثِيَابه سبعين لَيْلَة، فَقَالَ لَهُ قَاسِم بْن مُحَمَّد يَوْمًا وَهُوَ يفاكهه: أما علمت أَن من مضى من سَلَفِنا كَانُوا يستحبون اسْتِقْبَال المصائب بالتجمل، ومواجهة النِّعم بالتواضع، فراح عُمَر من عجيَّة يَوْمه ذَلِكَ فِي ثيابٍ موشاة تقوم عَلَيْهِ بثمانمائة دِينَار.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنِي بْن أَبِي سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر الضَّبِّيّ، قَالَ: عَاصِم بْن الحَدَثَان، حَدَّثَنِي من شهد الحَجَّاج وَهُوَ يُعاتب مَالك بْن أَسمَاء وَكَانَ يَسْتَعْمِلهُ عَلَى الْحيرَة وطَسُّوجِها، فَشَكَاهُ أهل الْحيرَة فَبعث إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا عَدو اللَّه! استعملتُك وشرَّفتك وَأَرَدْت أَن ألحقك بعلية الرِّجَال فأفسدت نِعْمَتك، وأشمت بأختك ضرائرها، وفضحت نَفسك، وأقبلتَ عَلَى الْبَاطِل وَمَا لَا يحب اللَّه من الشُّرب وَقَول الشعرن والانتشار بِهِ وَأَقْبَلت تغني، وَتقول:
حبّذا لَيْلَتي بتلّ بُوَنَّا ... حَيْثُ نُسْقَى شرابنا ونُغَنَّي
بِشرب الكاسِ ثُمت الكاس حَتَّى ... يحسَبَ الجاهلون أنَا جُننّا
أما لأُخْرِجَنّ جنونك من رَأسك، يَا حَرَسيّ أَدْخل مَنْ بِالْبَابِ من أَهْل الْحيرَة، فَدخلت جماعةٌ مِنْهُم شيخ من بني بَقِيلة، فَقَالَ لَهُم، أيُّ أميرٍ أميركم؟ قَالَ الشَّيْخ: خيرُ أميرٍ، غَيْر أَن الْخمر غليت مُنْذُ وَلِينا، قَالَ: وَكَيف ذَاك، قَالَ الشَّيْخ: أَخَذَ ألفَ دِنٍّ فِي شهر، قَالَ الحَجَّاج: قَاتله اللَّه مَا أمكره من شيخ! لجَادَ مَا تخلص إِلَى مَا يُرِيد، قَالَ: ومالكٌ ساكتٌ لَا يتَكَلَّم، فَأدْخل عَلَيْه مِلْحَان بْن قيسٍ الرّاسبيّ وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قَدْ شهد مشَاهد الحَرُوريَّة فبُعِثَ إِلَيْهِ من الْبَصْرَة، فَقَالَ لَهُ الحَجَّاج: أمِلْحان؟ قَالَ: نعم ملْحان، قَالَ: أَحْمد