قل مَا مل ثُمّ عاود وَصلي ... بَعْدَمَا ذمّ صُحْبَة الخلان
قَالَ نفطويه: يَا موصلي! لَيْسَ تجيئون بِمثل هَذِهِ الملاحات. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فأمسكتُ سَاعَة ثُمّ عملتُ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ:
أَحْمد اللَّه مَا امتحنت صديقا ... لي إِلا نَدِمت عِنْد امتحاني
لَيْت شعري خصصت بالغدر من ... كُلّ صديقٍ أم ذَاك حكم الزَّمَان
قَالَ القَاضِي: وَقد قَالَ متقدموا الشُّعَرَاء ومتأخروهم فِيمَا تضمنته هَذِهِ الأبيات الْأَرْبَعَة مَا يتعب جمعه ويشق استيعابه، ولعلنا نودع مجَالِس كتَابنَا هَذَا كثيرا مِنْهُ إِن شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا:
ذممتك جاهدًا حَتَّى إِذا مَا ... بلوت سواك عَاد الذَّم حمدا
وَلَم أحمدك من خيرٍ وَلَكِن ... وجدت سواك شرا مِنْك جدا
فعدت إِلَيْك مبتئسًا ذليلا ... لِأَنِّي لَمْ أجد من ذَاك بدا
كذي جوعٍ تحامى أكل ميتٍ ... فَلَمَّا اضْطر عَاد إِلَيْهِ شدا
وَالْبَيْت السائر فِي هَذَا الْمَعْنى:
عتبتُ عَلَى بشرٍ فَلَمَّا جفوته ... وعاشرت أَقْوَامًا بكيتُ عَليّ بشر
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ، حَدَّثَنَا ابْن الْمُدبر، قَالَ: انْفَرد الرشيد وعِيسَى بْن جَعْفَر بْن المَنْصُور والْفَضْل بْن الرَّبِيع فِي صيد من الموكب، فَلَقوا أَعْرَابِيًا مليحاً فصيحًا فولع بِهِ عِيسَى إِلَى أَن قَالَ لَهُ: يَا ابْن الزَّانِيَة! فَقَالَ: بئس مَا قُلْتُ، قَدْ وَجب عَلَيْك ردهَا أَو الْعِوَض، فارض بِهَذَيْنِ المليحين يحكمان بيني وَبَيْنك، فَقَالَ: قَدْ رضيت، فَقَالا: يَا أَعْرَابِي! خُذْ مِنْهُ دانقين عوضا من شتمك، فَقَالَ: أَهَذا الْحُكْمُ؟ فَقَالا: نعم، فَقَالَ: هَذَا درهمٌ وأمكم جَمِيعًا زانيه، وَقد أرجحت لَكمَا بترك مَا وَجب لي.
فغلب عَلَيْهِم الضحك، وَمَا كَانَ لَهُم سرُور يومهم ذَلِكَ غَيْر الْأَعرَابِي، وَضم الرشيد الْأَعرَابِي إِلَيْهِ وَخص بِهِ، وَكَانَ يَدعُوهُ فِي أكثرالأوقات، فَكَانَ الْأَعرَابِي بعد ذَلِكَ يَقُولُ للرشيد: لَو عرفت لأبقيت، ولربما نفع الْحمق.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهَ الْعَلَوِيُّ الْعَيَّاشِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بن