كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَمَرَّتْ بِيَ امرأةٌ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ يُبَايِعْنِي، فَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ الْجُبَيْذَةِ بِالأَمْسِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا أَعُودُ، قَالَ: فَبَايَعَنِي.
قَالَ القَاضِي: الكَشْحُ: الخاصرة، كَمَا قَالَ زُهَيْر:
وَكَانَ طَوَى كَشْحًا عَلَى مُسْتَكَنِّهِ ... فَلَا هُوَ أبداها وَلم يتندم
وَقَوله: الْجُبيذة: تصغيرُ جَبْذَة، والجَذْبةُ، يُقَالُ: جَبَذْتُ الشَّيْء وجَذَبْته إِذا شددتُه إِلَيْك، وَنَحْو هَذَا من كَلَام الْعَرَب: صاعقةٌ وصَاقِعَة، وَمَا أطْيَبَهُ وَمَا أيْطَبَه، ويبتغي بِي الدَّم ويتبغّي فِي كثير من الْكَلَام أَتَى كَذَلِك، وَسمي اللغويُّون هَذَا النَّوْع " بَاب الْقلب "، وَقَدْ جمع بَعضهم هَذَا الضَّرْب أَوْ مَا انْتهى إِلَيْهِ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد: أَنْبَأَنَا أَبُو حَاتِم، عَنِ الْعُتْبِي، قَالَ: قَالَ بعض خلفاء بني أُمَيَّة - وَلَمْ يسمه - مَا توسل إليّ أحدٌ بوسيلة، وَلا تذرع بذريعةٍ هِيَ أقرب إِلَى مَا يحبُّ منَّي من يدٍ سبقتْ منِّي إِلَيْهِ أُتْبِعُها لِيُحْسِنَ حفظهَا، لِأَن مَنْع الْأَوَاخِر يقطعُ لسانَ شكر الْأَوَائِل، وَمَا سمحتْ نَفسِي بِرَدِّ بِكر الْحَوَائِج.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْخُزَاعِيَّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ عُمَرَ بْنَ الْهَيَامِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَتَتْهُ امْرَأَة يَوْمًا - يَعْنِي شَرِيكًا - مِنْ وَلَدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ صَاحِبِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مجْلِس الْحكم، فَقَالَت: أَنَا بِاللَّه ثُمّ بِالْقَاضِي، امرأةٌ مِنْ وَلَدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه صَاحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ، وردَّدت الْكَلَام، فَقَالَ: إيهًا عَنْك، الْآن من ظلمك؟ قَالَتْ: الْأَمِير عِيسَى بْن مُوسَى، كَانَ لي بستانٌ عَلَى شاطىء الْفُرات، لي فِيهِ نخلٌ، ورثْتُه عَنْ آبَائِي، وقاسمتُ إخوتي، وبنيتُ بيني وَبينهمْ حَائِطا، وجعلتُ فِيهِ رَجُلا فارسيًّا فِي بيتٍ يحفظُ لي النَخْلَ ويقومُ بِبُسْتاني، فَاشْترى الأميرُ عِيسَى من إخوتي جَمِيعًا وسَامَنِي فأرْغَبَنِي فَلم أبِعْهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَة بعث خَمْسمِائَة فاعلٍ فاقتلعُوا الْحَائِط، فأصبحتُ لَا أعرف من نَخْلي شَيْئا وَاخْتَلَطَ بِنَخْل إخوتي. قَالَ: يَا غُلام! طينَة، فختم لَهَا خَاتمًا، ثُمّ قَالَ لَهَا: امْضِي بِهِ إِلَى بَابه حَتَّى يحضرَ معكِ.
فَجَاءَت الْمَرْأَة بالطينة فَأَخذهَا الحاجبُ وَدخل عَلَى عِيسَى، فَقَالَ لَهُ: أعْدِيَ شريكٌ عَلَيْك، قَالَ لَهُ: أدْعُ لي صاحبَ الشرطة، فَدَعَا بِهِ، فَقَالَ: امْضِ إِلَى شريك فَقل لَهُ: يَا سُبْحَانَ اللَّه! مَا رأيتُ أعجبَ من أمْرِك، امرأةٌ ادَّعتْ دَعْوى لَمْ تصحَّ، أَعْدَيْتها عليَّ؟ فَقَالَ: إِن رَأَى الأميرُ أَن يُعفِيَني فَلْيفعل، فَقَالَ: امضِ وَيْلَك.