وَكَانَ عَزِيزٌ خَلّتي فرأيتهُ ... تولّى وَلم يقبل عَلَيَّ وأدْبرا
ثُمَّ لحق بهما وَخلف عِنْدَ الْمولى غُلَاما لَهُ يُقَال لَهُ شَنْفر، فَمَكثَ الْمولى أَيَّامًا ثُمَّ لحق بهم وَأنْشد يَقُولُ:
بُدِّلْت أنيابًا حِيالا وشَنْفَرَا ... بأهْلِي لَا أرْضَى بِهِمْ من أُولَئِك
قَالَ القَاضِي: الأنياب جمع نَاب وَهِي النَّاقة المسنة، والحيال: جمع حَائِل وَهِي الَّتِي حَالَتْ عَنْ أَن تشْتَمل عَلَى حمل، فَأتى أَبُو سُبْرَة النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ابناه فأسلموا، فَقَالَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَزِيز: مَا اسْمُك؟ قَالَ: عَزيز، قَالَ: لَا عَزِيز إِلَّا اللَّه، أَنْت عَبْد الرَّحْمَن، وَقَالَ أَبُو سَبْرة للنَّبِي صلّى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: إِن بِظهْر كَفّي سَلْعة قَدْ مَنَعَتْني من خطام رَاحِلَتي، فَدَعَا النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدح فَجعل يَضْرِبُ بِهِ عَلَى السَّلْعة ويَمْسَحُها فَذَهَبت، ودعا لَهُ ولابنيه وأقطعه جروان وَاديا فِي بِلَاد قومه، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: فَلم يسمع لأهل بَيت أجابوا إِلَى الإِسْلام طَوْعًا بِمثل هَؤُلاءِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد، عَنِ الذمارِي، قَالَ: دَخَلَ عَمْرو بْن معدي كرب الزَّبِيديّ عَلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَوْمَا، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا ثَوْر! أَخْبرنِي بِأَعْجَب مَا رَأَيْت، فَقَالَ: إِنِّي أخْبرك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي خرجت يَوْمَا أُرِيد حَيا من أَحيَاء الْعَرَب حَتَّى إِذَا مَا كنت بواد يُقَالُ لَهُ بطن شريان إِذَا أَنَا بِرَجُل مفترس أسدًا قَدْ أَدخل رَأسه فِي جَوْفه، وَهُوَ يلغ فِي دَمه كَمَا يفترس الْأسد النّاس والبهائم ويلغ فِي دِمَائِهِمْ، فهالني ذَلِكَ وراعني وظننته شَيْطَانا ثُمَّ عاتبت نَفسِي، فَصحت بِالرجلِ فوَاللَّه مَا نهنه صياحي بِهِ حَتَّى صحت بِهِ صَيْحَة أُخْرَى فَلم يبل، فَصحت الثَّالِثَة فَرفع رَأسه وَنظر إليَّ وَعَيناهُ كالجمرتين، ثُمَّ أعَاد رَأسه فِي جَوف الْأسد احتقارًا لي، فوقفت أنظر إِلَيْهِ تَعَجبا مِنْهُ، فَأَقْبَلت حَيَّة كَانَ عَلَى طريقها تكون شبْرًا أَوْ نَحوه فتعثرت بِهِ فلدغته لدغة فِي مَنْكِبه كَمَا كَانَ باركا عَلَى الْأسد، فصاح مِنْهَا صَيْحَة ثُمَّ أطرق فَلم أره يَتَحَرَّك كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فدنوت مِنْهُ فَإِذا سيف لَهُ وقوسٌ موضوعان، وَفرس مشدود فَأخذت سلاحه، فَلم يَتَحَرَّك فأممته ودنوت مِنْهُ وَضربت بيَدي إِلَى ذِرَاعَيْهِ فتبعتني وَالله يَده من الْكَفّ فَوَقَعت، فَقلت: إِن هَذَا للعجب، لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم علمه عِنْدَ بَعْض من يمر فأسأله فَإِذا كلب رابض نَاحيَة، فَأَقْبَلت السبَاع والنسور فحماه الْكَلْب فَلَمَّا جنني اللَّيْل انصرفت وَتركته عَلَى هَيئته فَمضى لذَلِك زمن، فَبينا أَنَا بسوق عكاظ فِي أيّام الْمَوْسِم فِي أجمع مَا كَانَ النَّاس، إِذَا امْرَأَة تَنْشُدُ الرَّجُلَ فَعرفت النَّعْت وَالصّفة، فقلتُ: أَنَا صَاحب الرَّجُل، وَهَذَا سَيْفه وقوسه، قَالَ: فَقَالَت: يَا عَمْرو! إِنَّهُ لَا يجمل بمثلك الْكَذِب وَأَنت فَارس قَوْمك، فأسألك باللاتِ والْعُزّى إِلَّا صَدَقْتني، فخبرتها الْخَبَر، فَقَالَت: صدقت، وَإِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِكَ لِأَن أسدًا مرّة عدا عَلَى أَخ كَانَ لَهُ يُقَالُ لَهُ صَخْر فَأَكله، فآلى عَلَى نَفسه أَلا