جعله حاجبًا، فَقَالَ: أيقنت الشَّهَادَة؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا كَانَ لَوْن الْكَلْب؟ قَالَ: أغبش، قَالَ: أردتم أَن تَغُشُّوني حَتَّى أرْجُمَ امْرَأَة من الْمُسلمين، فَقَالَ للصبيان: ارجمُوهُم، وخلّي سَبِيل الصَّبِي الَّذِي جعله امْرَأَة وَرجع إِلَى حصانه، فَدَخَلُوا عَلَى دَاوُد عَلَيْهِ السّلام فأخبروه الْخَبَر، فَقَالَ دَاوُد: عليّ بالشهود السَّاعَة وَاحِدًا وَاحِدًا فَأتى بهم فَسَأَلَ القَاضِي: مَا كَانَ لون الْكَلْب؟ قَالَ: أسود، ثُمَّ أَتَى بِصَاحِب الشرطة فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَبيض، ثُمَّ أَتَى بِصَاحِب السُّوق فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كَانَ أَحْمَر، ثُمَّ أَتَى بالحاجب فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كَانَ أغبش، فَأمر بهم دَاوُد عَلَيْهِ السّلام فَقتلُوا مَكَان الْمَرْأَة، فَكَانَ هَذَا أَوْل مَا استبان لداود عَلَيْهِ السّلام من فهم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السّلام.
وَقد حدث فِي أيّام الدّولة العباسية فِي وَدِيعَة أودعها بَعْض الشُّهُود بواسط، فأبدلها واختان صَاحبهَا فِيهَا مَا يضارع هَذِهِ الْقِصَّة من بَعْض جهاتها، نَحن نأتي بهَا فِيمَا نستأنفُه من مجَالِس كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ اللَّه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمَحَارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّاشِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سكين ابْن أَبِي سِرَاجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورًا يَدْخُلُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ يَكْشِفُ عَنْ كَرْبِهِ أَوْ يَسُدُّ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ لأَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخٍ لَهُ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ، وَسُوءُ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ".
قَالَ القَاضِي: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن سَعِيد فِي سكين، يُقَالُ سُكَيْنُ بْن أبي سراج وسكين بْن سراج، قَالَ القَاضِي: وَفِي هَذَا الْخَبَر ترغيبٌ فِي أَنْوَاع من أَفعَال الْخَيْر وأبواب الْبر وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وذَمٌّ لسوء الْخلق وتكريهٌ لَهُ، وكل فصل من فُصُول هَذَا الْخَبَر قَدْ أَتَى فِي مَعْنَاهُ أَخْبَار، وَرويت فِي مجالسه آثَار عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمن تقدمنا من الْأَئِمَّة الماضين وَالسَّلَف الصَّالِحين، والخاصة من عُلَمَاء الْمُسلمين وحكماء أَهْلَ الدِّين، وَكِتَابنَا هَذَا مُتَضَمّن لكثير مِنْهُ مُتَفَرقًا فِي الْمجَالِس المرسومة فِيهِ، وحقيق عَلَى من كَرُمَتْ نَفسه عَلَيْهِ، وحُبِّبَتْ مَنَافِعهَا إِلَيْه، أَن يسْعَى فِي اكْتِسَاب مَا يزينها ويصلحها، ويهذب أخلاقه ويُنَقحها، ويهجر مَذْمُوم الْخَلَائق ويطرحها، نسْأَل اللَّه المعونة عَلَى ذَلِكَ بفضله وَطوله، وقوته وَحَوله.