النَّحْوِيين، إِذْ فِيهِ عِنْدَهُ التباس الْخَبَر والاستخبار، وَقَالَ: الأبيات
عَلَى الْخَبَر دون الِاسْتِفْهَام.
وَقد أحسن زُفَر فِي فَصله بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلَاثَة فِيمَا أفْتَوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَفِيمَا ضربه لسائله من الأمثل، وأمّا قَول أبي حنيفَة فَهُوَ محضُ النّظر ومَرُّ الْحق، وَلَا يجوز أَن يحكم عَلَى امْرِئ فِي زَوجته بِطَلَاقِهَا بَعْدَ صِحَة زوجيِّتها، ويقين الْعلم بِثُبُوت النِّكَاح بَينه وَبَينهَا، بظنِّ عَرَض لَهُ وحُسْبان أَنَّهُ أوقع الطَّلَاق فِي حالٍ يتَغَيَّر فِيهَا الْفَهم، ويزولُ مَعهَا التَّمْيِيز، وَهُوَ أبعد عِنْدَ ذَوي الأفهام، من أضغاث الأحلام، ورؤيا الراقد فِي الْمَنَام، من حَال الصِّحَّة الَّتِي تلْزم فِيهَا الْأَحْكَام، وتجري فِيهَا الأقلام، فأمّا مَا قَالَ سفيانُ الثّوريّ فَإِنَّهُ أَشَارَ بالاستظهار والتوقفة وَالْأَخْذ بالحزم والحيطة وَهَذِه طَريقَة أَهْلَ الْوَرع الْمُتَّقِينَ، وَذَوي الِاسْتِقْصَاء عَلَى أنفسهم من أَهْلَ الدِّين، وفُتيا أَبِي حنيفَة فِي هَذَا عين الْحق وجُلُّ الْفِقْه، وَأي هَاتين المحجّتين سلك من نزلت بِهِ هَذِهِ النَّازِلَة، وعرضَتْ لَهُ هَذِهِ الحادثةُ فَهُوَ مُصيبٌ محسن عَلَى مَا بَينا فِيهَا من الفَضْل بَيْنَ المنزلتين، وأمّا مَا أفتى بِهِ شريك وتعجّب زفُر مِنْهُ وَاقع فِي موقعه، وَلَا وَجه فِي الصِّحَّة لمّا أَشَارَ بِهِ، وَقد أصَاب زُفرٌ أَيْضا فِي الْمثل الَّذِي ضربه لَهُ، وَأرى أنَّ شَرِيكا توهم أنَّ الرّجْعَة لَا تتَحَقَّق إِلَّا مَعَ تحقق الطَّلَاق، فَأمر باستئناف تَطْلِيقَة لتصح الرّجْعَة بعْدهَا، وَهَذَا مَا لَا يحِيل فَسَاده، وَلَو كَانَ كَمَا نرى أَنَّهُ توهمه لما أثرت الرّجْعَة إِلَّا فِي التطليقة الَّتِي أوقعهَا وتيقنها دون الَّتِي أشْفق من تقدمها وَهُوَ عَلَى غَيْر يَقِين مِنْهَا، وَلَو أنَّ رَجُلا وكّل رَجُلا فِي طَلَاق زَوجته، ثُمَّ غَابَ الْوَكِيل فأشفق من تطليقه إِيَّاهَا عَلَيْهِ، وَأشْهد على رَجعتهَا وَهُوَ غَيْر عَالم بوقوعها، ثُمَّ تبين أَنَّهَا وَقعت قَبْلَ مُرَاجعَته لصحّت رجعته، وَكَذَلِكَ لَوْ كتب إِلَى زَوجته بِطَلَاقِهَا إِذَا وصل إِلَيْهَا كِتَابه، ثُمَّ أشهد عَلَى الرّجْعَة بَعْدَ الْوُصُول وَقبل انْقِضَاء الْعدة، لكَانَتْ الرّجْعَة صَحِيحَة لوقوعها بَعْدَ الطَّلَاق الَّذِي لَمْ يكن عَالما بِهِ.؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأُبَلِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَفٍ الْجِيلانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ ذِي حَمَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ الْحَنَفِيِّ وَيُكَنَّى أَبَا الْفَضْلِ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ".
قَالَ القَاضِي: هَذَا الَّذِي ذكره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحسن الْكَلَام وألطفه، وأبلغ بَيَان وأشرفه، وَلَقَد أرشد أمته إِلَى الْحَاضِر المتيسر، وَالْمَوْجُود الَّذِي لَيْسَ بمستصعب وَلَا مُتَعَذر، وَقد جَاءَ عَنْهُ وَعَن السّلف بعده فِي حسَن الْخلق، وَبسط الْوَجْه، وتوطئة الكَنَف،