مَتَى رد الضَّمِير إِلَى الرّيح لِئَلَّا ينكسر الشّعْر وَيفْسد الْوَزْن رده إِلَى الْوُجُود، كَأَنَّهُ قَالَ: وجدت ريحي فأعجبها وجود ريحي، وَاعْتمد عَلَى دلَالَة الْفِعْل الَّذِي هُوَ وجدت وعَلى الْمصدر الَّذِي هُوَ وجود، وَهَذَا صَحِيح مستفيض فِي كَلَام الْعَرَب، وَقَوْلهمْ: من كذب كَانَ شَرّا لَهُ، فَدلَّ قَوْلهم كذب عَلَى الْكَذِب، وَقد قَالَ اللَّه تَعَالَى جده: " وَلَا تحسبن الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بل هُوَ شَرّ لَهُم " الْمَعْنى: لَا تحسبن الْبُخل، فدلّ يَبْخلُونَ عَلَى الْبُخْل، وَمن هَذَا الْبَاب: قَول الشَّاعِر:
إِذَا نهِي السّفيِهُ جَرى إِلَيْهِ ... وخَالَف والسّفِيهُ إِلَّا خِلافِ
أَرَادَ جرى إِلَى السّفَه، فَدلَّ قَوْله السفية عَلَى السَّفه، وَهَذَا بَاب وَاسع جدا.
حَدَّثَنَا عليّ بْن مُحَمَّد بْن الجهم، أَبُو طَالِب الْكَاتِب، قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن طَاهِر، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ أَحْمَد بْن إِسْرَائِيل، قَالَ: صِرْتُ يَوْمَا إِلَى عُبَيْد اللَّه بْن يحيى بْن خاقَان فَلَمّا صرت فِي صحن الدَّار رَأَيْته مُضْطَجِعًا عَلَى مُصَلاه مُوليًا ظَهره بَاب مَجْلِسه، فهممتُ بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ لي الْحَاجِب: أُدْخُلْ فَإِنَّهُ منتبه، فَلَمّا سمع حِسِّي جلس، فَقلت: حَسِبْتُك نَائِما، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي كُنت مفكراً، قلت: فيماذا أعزَّك اللَّه؟ قَالَ: فكرتُ فِي أَمر الدُّنْيَا وصلاحها فِي هَذَا الْوَقْت واستهوائها ودُرُورِ الْأَمْوَال وأمنِ السّبيل وعِزِّ الْخلَافَة فعلمتُ أَنَّهَا أمكر وَأنكر وأغدر من أَن يَدُوم صَفَاؤها لأحد، قَالَ: فدعوتُ لَهُ وانصرفت، فَمَا مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم حَتَّى قتل المتَوَكل وَنزل بِهِ من النَّفْي مَا نزل.
حَدثنِي بعض شُيُوخنَا: أنَّ بعضَهم حَدثهُ: أَنَّهُ لمّا كَانَ من خلع الْمُقْتَدِر فِي الْمرة الأولى مَا كَانَ، وبُويع عَبْد اللَّه بْن الْمُعتزِّ بالخلافة، دَخَلَ عَلَى شَيخنَا أبي جَعْفَر الطَّبَريّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: مَا الخَبر، وَكَيف تركتَ النّاس؟ أَوْ نَحْو هَذَا من القَوْل، فَقَالَ لَهُ: بُويع عَبْد اللَّه بْن المعتز، قَالَ: فَمَنْ رُشِّح للوزارة؟ قَالَ: مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن الجَرَّاح، قَالَ: فَمن ذُكِر للْقَضَاء؟ قَالَ الْحَسَن بْن الْمُثَنى، فَأَطْرَقَ ملِيًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا أمرُ لَا يتمُّ وَلَا يَنْتَظِم، قَالَ: قلت لَهُ: فَكيف؟ فَقَالَ: كلّ واحدٍ من هَؤُلَاءِ الَّذين سَمّيت مُتَقَدِّمٌ فِي مَعْنَاهُ عَلَى الرّتْبة من أَبنَاء جنسه، وَالزَّمَان مُدبر والدُّنْيا مُوَليَّة، وَمَا أرى هَذَا إِلَّا إِلَى اضمحلال وانتقاص وَلَا يكون لمدته طول، فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ، وَرَأَيْت صِحَة قَوْله فِي أسْرع وَقت.
حَدَّثَنِي شيخ من أَهْلَ بَغْدَاد بجسر النّهَروان يُعرف بالْقُدَّامي ذهب عني اسْمه، وَكَانَ ذَا أدب وَمَعْرِفَة، بإسنادٍ ذهب عني حفظه: