فَقَالَ: أفتعزم على النَّاقة؟ فَقَالَ:
أبيعُها بَعْدَ مَا أُوكَسُ ... والبيعُ فِي بَعْض الأوان أَكيس
قَالَ: كم شراؤها عَلَيْكَ؟ فَقَالَ:
شراءها عشرٌ بِبَطن مكهْ ... من الدَّنَانِير الْقيام السُّكهْ
وَلَا أبيعُ الدهرَ أَو أزادُ ... إنّي لريحٍ فِي الورى مُعْتَاد
قَالَ: فبكم تبيعها؟ فَقَالَ:
خُذْها بعشرٍ وبخمسٍ وازنهْ ... فَإِنَّهُ نَاقَة صدق مَازنه
قَالَ: فحطّنا، فَقَالَ:
تبَارك اللَّه العليُّ العالي ... تَسْألُني الحطّ وَأَنت الْوَالِي
قَالَ: فنأخذها مِنْك وَلَا نعطيك شَيْئا، فَقَالَ:
فَأَيْنَ ربِّي ذُو الْجلَال الْأَفْضَل ... إنَّ أنتَ لَمْ تَخْشَ الْإِلَه فافعلِ
قَالَ: فكم أزنُ لَك فِيهَا؟ فَقَالَ:
وَالله مَا يُنعِشُني مَا تُعطي ... وَلَا يُدَاني الْفقر مني حطّي
خُذْهُ بِمَا أحببتَ يَا بْن عباسِ ... يَا بْن الْكِرَام من قريشِ الرّاسِ
فَأمر لَهُ سُلَيْمَان بِأَلف دِرْهَم وَعشرَة أَثوَاب، فَقَالَ:
إِن رَمَتْنِي نَحْوك الْفِجَاجُ ... أَبُو عيالٍ مُعْدَمٌ محتاجُ
طَاوي الْمِعَى ضَيّق المعيشِ ... فأنبتَ اللَّه لديك ريشي
شَرّفتني مِنْك بألفٍ فاخره ... شَرَّفَك اللَّهُ بهَا فِي الآخِرَة
وكسوةٍ طاهرةٍ حسانِ ... كساك رَبِّي حلل الجنانِ
فَقَالَ سُلَيْمَان: من يَقُولُ إنَّ هَذَا مَجْنُون؟ مَا كلمتُ قَطّ أَعْرَابِيًا أَعقل مِنْهُ.
قَول الأَعْرَابِي: ضيق المعيش، المعيش جمع معيشة، كَمَا قَالَ رؤبة:
أَشْكُو إِلَيْكَ شدَّة المعيش ... ومرِّ أعوامٍ نَتَفْنَ رِيشِي
وَيكون المعيش الْموضع والمعاش الْمصدر، مثل المَضربِ والْمِضرَب وَالْمقر وَالْمقر.
قَالَ القَاضِي أَبُو الفَرَج: قَدْ أنهينا هَذَا الْمجْلس إِلَى هُنَا لِئَلَّا يستطال، إِذْ قَدْ تقدمته خطبةٌ ورسالة، وَالله الْمُسْتَعَان.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن سُلَيْمَان أَبِي دَاوُدَ بْنِ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ إِمْلاءً مِنْ حِفْظِهِ، فِي يَوْمِ الثُّلاثَاءِ لأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بن