يَمِينه عِيسَى بْن جَعْفَر، فَسلمت فَرد عليّ السّلام، وَقَالَ: أظننا رَوَّعناك؟ قلت: إِي وَالله وكذاك من خَلْفي، قَالَ: اجْلِسْ فجلستُ حَتَّى سكن رُوعي، ثُمَّ الْتفت إليَّ فَقَالَ: يَا يَعْقُوب تَدْرِي لَمْ دَعوتُك؟ قلت: لَا. قَالَ: دعوتُك لأشهدك عَلَى هَذَا، إِن عِنْدَهُ جَارِيَة سَأَلْتُهُ أَن يَهَبَها لي فَامْتنعَ، وسألتُه أَن يَبِيعهَا فَأبى، وَوَاللَّه لَئِن لَمْ يفعل لأقتلنّه، قَالَ: فالتفتُّ إِلَى عِيسَى، فَقلت: وَمَا بلغ اللَّه بِجَارِيَة تمنعُها أَمِير الْمُؤمنِينَ وتُنزل نَفسك هَذِهِ الْمنزلَة؟ قَالَ: فَقَالَ: عَجِلتَ عليّ فِي القَوْل قَبْلَ أَن تعرف مَا عِنْدِي؟ قلت: وَمَا فِي هَذَا الْجَواب؟ قَالَ: إِن عليّ يَمِينا بِالطَّلَاق والْعِتاق وصَدَقَة مَا أملك أَلا أبيع هَذِهِ الْجَارِيَة وَلَا أهبها، فَالْتَفت الرشيدُ فَقَالَ: هَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَج؟ قلت: نَعَمْ، يَهَبُ لَك نِصْفها ويَبِيعُك نِصْفَها، فَيكون لَمْ يهب وَلم يَبع، قَالَ عِيسَى: ويجوزُ ذَلِكَ؟ قلت: نَعَمْ، قَالَ: فأُشْهِدك أَنِّي قَدْ وهبت لَهُ نِصْفَها وبعتُه النّصْف الْبَاقِي بِمِائَة ألف دِينَار، فَقَالَ: الْجَارِيَة، فأتيَ بالجارية وبالمال، فَقَالَ: خُذْها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَارك اللَّه لَك فِيهَا، قَالَ: يَا يَعْقُوب؟ بقيتْ وَاحِدَة، قلت: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: هِيَ مَمْلُوكَة وَلَا بدّ أَن تُستبرأ، وَوَاللَّه لَئِن لَمْ أبِت مَعهَا لَيْلَتي إِنِّي لأظُنُّ نَفْسي ستخرج، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تعتقها وتتزوجها فَإِن الْحرَّة لَا تُستبرأ، قَالَ: فإنيّ قَدْ عتقْتُها فَمن يُزَوِّجنيها؟ قلت: أَنَا، قَالَ: فافعل، فَدَعَا بمسرور الْخَادِم وحسين فخطبتُ فحمدت اللَّه وزوجَّته عَلَى عشْرين ألف دِينَار، ودعا بِالْمَالِ وَدفعه إِلَيْهَا، ثُمّ قَالَ: يَا يَعْقُوب؟ انْصَرف، وَرفع رَأسه إِلَى مسرور فَقَالَ: يَا مسرور؟ قَالَ لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: احْمِلْ إِلَى يَعْقُوب مِائَتي ألف دِرْهَم وَعشْرين تختًا ثيابًا، فحُمِل ذَلِكَ معي. قَالَ: فَقَالَ بِشْر بْن الْوَلِيد: فالتفتَ إليَّ يَعْقُوب فَقَالَ: هَلْ رَأَيْت بَأْسا فِيمَا فعلتُ؟ قلت: لَا، قَالَ: فَخذ مِنْهَا حَقك، قَالَ: وَمَا حَقِّي؟ قَال: الْعُشْر. فشكرتُه ودعوت لَهُ، ذهبت لأَقوم فَإِذا بِعَجُوزٍ قَدْ دخلتْ فَقَالَت: يَا أَبَا يُوسُف؟ ابْنَتك تُقرِئُك السّلام وَتقول لَك وَالله مَا وصل إليَّ فِي لَيْلَتي هَذِهِ من أَمِير الْمُؤمنِينَ سوى الْمهْر الَّذِي قَدْ عرفتَه، وَقد حملتُ إِلَيْكَ النّصْف مِنْهُ وخلّفت الْبَاقِي لمّا أحتاج إِلَيْهِ فَقَالَ: رديه فوَاللَّه لَا قبلتها، أخرجتُها من الرِّق وزوجتها أَمِير الْمُؤمنِينَ وترضى لي بِهَذَا، فَلم نَزَلْ نَطلب إِلَيْهِ أَنَا وعَمّتي حَتَّى قِبِلَها وَأمر لي بِأَلف دِينَار.
قَالَ القَاضِي: إِسْقَاط أبي يُوسُف الِاسْتِبْرَاء فِي هَذَه الْمَسْأَلَة هُوَ مذْهبه وَمذهب من تقدمه وَمن اتبّعه من أَصْحَابه، فَأَما مذهبُ الْجُمْهُور من الْحِجَازِيِّينَ وَغَيرهم فعلى أَن الِاسْتِبْرَاء هَا هُنَا باقٍ بِحَالهِ، وأمّا تَوَلِّيه عَقْدَ نِكَاح هَذِهِ الْمُعتقَة فَإِن مَذْهَب أبي يُوسُف ومتقدمي أَصْحَابه من أَهْلَ الْعرَاق ومتأخريهم أَن مَوْلَى الْأمة الْمُعْتِق لَهَا أولى بِعقد النِّكَاح لَهُ وَلغيره عَلَيْهَا، وَمذهب عَامَّة أَهْلَ الْعلم من الْحِجَازِيِّينَ وَغَيرهم من الشاميين والعراقيين - وَكَانَ الشّافعيّ يرى أَنَّهُ يعْقد عَلَيْهَا النِّكَاح لغيره وَلَا يعقده لنَفسِهِ - وَأَنه إِذَا أَرَادَ أَن