الجزء الثاني من المعمور خلف الأقاليم: أول ما يلقاك منه جزيرة بلله (؟) وهي صغيرة معمورة تقع الحرب عليها بين صاحب انكلترة وبريطانية، لأنها بين الحدين، وطولها من شمال إلى جنوب، بانحراف إلى المشرق، نحو مائة ميل. ويقال إن فيها شجراً تخرج منه طيور كالدجاج، وهذا مستفيض عند الفرنج، كاستفاضة الخرفان التي تخرج من القرع عند الترك. وفي شرقي هذه الجزيرة، جزيرة انكلترة، وصاحبها الانكتار المذكور في تاريخ صلاح الدين في حروب عكا، وقاعدته مدينة لندرس، حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثمان وأربعون درجة وخمس عشرة دقيقة. وبعض الجزيرة داخل في الإقليم السابع، وفيها مدن كبيرة وعمائر معجمة خاملة الذكر عندنا. وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال، بانحراف إلى المغرب والمشرق، نحو أربعمائة وثلاثين ميلاً، واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل. وفي هذه الجزيرة الذهب والفضة والنحاس والقصدير، وليس فيها كروم لشدة الجمد، فأهلها يحملون جواهر هذه المعادن في البحر، ويدخلون بها فرنسا، ويتعوضون بذلك بالخمر. وصاحب فرنسا إنما كثرة الذهب والفضة عنده من ذلك. وعندهم يصنع الاسكرلاط العالي. وفي هذه الجزيرة غنم لها صوف ناعم كالحرير فيجعلون عليها جلالاً يقيها من الأمطار والغبار. ومع غناء الانكنار ووسع مملكته، فإنه يقر بالسلطنة للفرنسيس، وإذا كان مجتمع حفل، خدمه بان يحط قدامه زبدية طعام، وهي عادة متوارثة. وفي شمالي انكلترة وبعض شمالي بريطانية، جزيرة إيرلندة، وهي داخلة في الجزء الأول وفي الثاني. ومسافة طولها نحو اثني عشر يوماً، وعرضها في الوسط نحو أربعة أيام، وهي مشهورة بكثرة الفتن، وكان أهلها مجوساً، ثم تنصروا اتباعاً لجيرانهم. ويجلب منها أيضاً النحاس والقصدير الكثير. وفي الشمال من هذا الجزء الثاني جزيرة جرمونيه (؟) طولها اثنا عشر يوماً، وعرضها في الوسط نحو أربعة أيام، ومنها تجلب السناقر الجياد. وفي غربيها جزيرة السناقر البيض. طولها من غرب إلى شرق نحو سبعة أيام، وعرضها نحو أربعة أيام. ومنها ومن الجزائر الصغار الشمالية، تجلب السناقر التي تحمل من هنالك إلى سلطان مصر. ورسم الخارج منها في خزانته ألف دينار، وإن أتوا به ميتاً دفع لهم خمسمائة دينار. وعندهم الدب الأبيض يدخل البحر ويصيد السمك ويخطف ما فضل أو ما غفلت عنه هذه السناقر، ومن ذلك عيشها، إذ لا تطير هناك من شدة الجمد. وجلود هذه الدببة ناعمة. وعلى البحر المحيط في هذا الجزء، غراز، وهي قاعدة أحد ملوك الصقلب إلى جهة الغرب. وقد استولى على جميع بلاد الصقالبة، الألمانيون والهنقر والباشقرد. وهذه المدينة مشهورة، وهي متحصنة في وسط بحيرة مالحة كبيرة، ولا يدخل إليها إلا على جسر مصنوع، وهي حيث الطول أربع وثلاثون درجة ونصف، والعرض خلف الإقليم، ثمان درجات ونصف. وفي شرقيها من القواعد التي كانت للصقلب، فاستولى عليها المذكورون كوياتية. ويقال أنها كانت لأعظم ملوك الصقالبة الموصوفون بالكبر. ومرساها في البحر المحيط، مقصود، تتجمع فيه المراكب الكبيرة، وهو أحسن مراسي تلك الجهة. وقيل إن لها اثني عشر باباً. وفي شرقيها من قواعد ملكهم، صاصين، وهي على البحر المحيط.
الجزء الثالث من المعمور خلف الأقاليم: