الجزء التاسع: فيه مدن وعمائر من جزيرة القمر غير مشهورة. والمذكور من ذلك قاعدة الجزيرة القديمة وقد يكون صاحبها في بعض الأحيان غالباً على معظمها وهي قمرية. وموضوعها حيث الطول مائة وأربع وخمسون درجة، على جون عظيم يرتفع عن خط الاستواء ثلاث درجات ويتسع نحو ذلك. وهذه المدينة منسوبة إلى القمر وهو بنو عامور بن يافث ويشاركهم النسبة إلى عامور الصين. وكانوا يسكنون مع الصين في مشارق الأرض ثم تفاتنوا وأخرجهم الصين إلى الجزائر فكانوا بها مدة وكانت سمة كذا ملكهم قامرون. ثم تفاتنوا في تلك الجزيرة التي يأتي ذكرها، فخرج منهم الأباعد من الملك إلى هذه الجزيرة العظمى وكان سلطانهم في مدينة قمرية. ثم انهم كثروا وتشعبوا على القواعد المذكورة وصاروا فرقاً وملوك طوائف ثم تفاتنوا لما كثروا وخرج منهم خلق عظيم عمروا الجنوب في أول العمارة مع طول الجبل المنسوب إليهم. ومن لا يعرف يسميه بجبل القمر بفتح القاف. وفي هذه الجزيرة الكبيرة التي طولها أربعة اشهر وعرض أوسعها عشرون يوماً أنهار عظيمة وأعظمها نهر خافورا. يسافر فيه من عمقه واتساعه سفن البحر الكبار للوسق. وطوله ما بين مصبه وآخر الجزيرة الشرقي ومصبه تحت خافورا نحو شهرين. وعلى شطيه أشجار كبار يصنع من الشجرة منها المركب التي تعرفون ويجدف فيه مائة رجل. وهو محفور والمائدة التي يجلس عليها مائة نسمة. وذلك مذكور في الكتب مشهور على الألسن. ويصنعون من هذه الأخشاب دياراً على مراكب ويرسونها بحبال، فإذا كره أحد منهم جوار جاره انتقل إلى جار آخر. وكذلك إذا وقعت النار في دار جاره حلّ حبال داره وخلص منها. وفيها الطائر الكبير المعروف بالرخ زعموا أنه يغطي بظله سرية ويخطف بمخالبه فراخ الفيلة ويزقها فراخه. ويصنعون من قصبه قناطر على مياههم يجوزون عليها ومن قيعانها المجوفة حباباً للماء. وعندهم بقر يجرون بها، العجل الواحد يكون قدر الثلاثة من بقر أرضنا يسع في كل قرن من قرونه ألف " منٍ " من الزيت. وزيتهم التي يستصبحون بها إنما هي من شحم الدواب العظام التي يصيدونها في بحرهم. وعندهم الحشيش الذي ينسجون منه التقاصيل الملونة الملاح وتجلب للعراق واليمن. وفيها الموز والسكر والنارجيل الذي يصنعون منه حبال مراكبهم ويجرون ألواحها به. وأكثر ما ينبت فيها التنبيل وهو كالعريش في التوائه وكالرند في ورقه ويستعملون الورقة منه بقليل خبز وماء فيحدث لهم طيب نفس وسكر وعطرية يتلذذون بها وهو خمر بلاد الهند. وصورهم أميل إلى أهل الصين منهم إلى أهل الهند وكذلك ملابسهم وعبادتهم الأبداد كأهل الهند والصين. وعلى رأس مدينة قمرية الجبل المنسوب إليها يعلو نحو ثلاث درجات وتنحدر منه أنهار كثيرة إلى نهر خافورا الأعظم وينصب طرفه الشرقي في آخر الجزيرة من جهة الشرق وطرفه الغربي تحت خافورا. والبحر الذي يمر مع طولها الجنوبي يختلط من الجنوب بالبحر المحيط. ويقال أنه لا يدخله أحد لا من أهل الجزيرة ولا من غيرها. ومن وقع إليه تلف في دوراته وإنما سفرهم في البحر الشمالي الهندي وبحر الجهتين الشرقية والغربية.