العظائم لأنه دائر بين الكفر وما يقرب منه، وإذا كان هذا مدلوله الشرعي، ومعناه العرفي، فكيف يجوز أَنْ يوصف به عالم ثَبْتٌ ثِقَةٌ من ذوي الألباب وأولي الاجتهاد لِمُجَرَّدِ أنه أداه اجتهاده إلى رأي يخالف غيره مع أنه لم يقصد إلا الحق، ولم يتوخَّ إلا ما رآه الأَوْفَقَ، إذ لم يَأْلُ جُهْدًا في اهتمامه بما يراه الصَّوَابَ، وَإِنْ كان في نظر غيره على خلاف ذلك، إذ هذا من لوازم المسائل النظرية، ومتى عُهِدَ أن يُفَسَّقَ المُخَالِفَ فِيهَا أَوْ يُضَلَّلَ، لا جرم أنه بدعة قبيحة، وجناية في الدين كبيرة.
وقد قال كثير من أئمة التفسير في قوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} (?) هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْرَّجُلِ: يَا فَاسِقُ. رواه ابن جرير عن مجاهد وعكرمة. وقال قتادة: «يَقُولُ تَعَالَى: لاَ تَقُلْ لأَخِيكَ المُسْلِمَ: ذَاكَ فَاسِقٌ، ذَاكَ مُنَافِقٌ، نَهَى اللهُ المُسْلِمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ» (?). وقال ابن زيد: «هُوَ تَسْمِيَتُهُ بِالأَعْمَالِ السَيِّئَةِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، زَانٍ فَاسِقٌ» (ثم قال ابن جرير): «وَالتَّنَابُزُ بِالأَلْقَابِ هُوَ دُعَاءُ المَرْءِ صَاحِبَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ مِنْ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، وَعَمَّ اللهُ بِنَهْيِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضَ الأَلْقَابِ دُونَ بَعْضٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لأَحَدِ المُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبَزَ أَخَاهُ بِاسْمٍ يَكْرَهُهُ، أَوْ صِفَةٍ يَكْرَهُهَا». (ثم قال): «وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (?) أَيْ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ نَبْزِهِ أَخَاهُ بِمَا نَهَى اللهُ عَنْ نَبْزِهِ مِنَ الأَلْقَابِ، أَوْ لَمْزِهِ إِيَّاهُ أَوْ سُخْرِيَّتِهِ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ هُمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ