الصواب عن سوء نِيَّةٍ، وفساد طوية، وغاية ما يقال في الانتقاد في بعض آرائهم: إنهم اجتهدوا فيه فأخطأوا، وبهذا كان ينتقد على كثير من الأعلام سَلَفًا وَخَلَفًا لأنَّ الخطأ من شأن غير المعصوم، وقد قالوا: المجتهد يخطئ ويصيب، فلا غضاضة ولا عار على المجتهد إنْ أخطأ في قول أو رأي، وإنما الملام على مَنْ ينحرف عن الجادة عَامِدًا مُتَعَمِّدًا، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك في مجتهد ظهر فضله وزخر علمه.
قدمنا أنَّ رواية الشيخين وغيرهما عن المُبَدَّعِينَ تنادي بواجب التآلف والتعارف، ونبذ التناكر والتخالف، وطرح الشنآن والمحادَّة، والمعاداة والمضارة، لأنَّ ذلك إنما يكون في المحاربين المحادِّين، لا في طوائف تجمعها كلمة الدين، ومن الأسف أنْ يغفل عن هذا الحق من غفل، ويدهش لسماعه المُتَعَصِّبُونَ وَالجَامِدُونَ، ويحق لهم أنْ يذعروا لهذا الحق الذي فَاجَأَهُمْ لأنه مات منذ قضى عصر الرواية والرُواة، وانقضى زمن المُحَدِّثِينَ وَالحُفَّاظَ، ودال الأمر بعد الأخبار النبوية للآراء والأقوال، وصار الحق - بعد أنْ كانت الرجال تعرف به - يعرف بالرجال، وأصبح مشرب أمثال البخاري وغيره نِسْيًا مَنْسِيًّا، ونُشر لواء التعادي والتباغض في الأُمَّةِ وكان مطويًّا، وَسَبَّّبَ على الأُمَّةِ من التفرق والانقسام، ما أورثها الضعف