الحمد للَّه بارئ البريات وغافر الخطيئات، المطلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمة، لا تدركه الأبصار، ولا تغيره الأعصار، ولا تتوهمه الأفكار، وأتقن ما صنع وأحكمه، وأحصى كل شيء وعلمه، ورفع قدر العلم وعظمه، وخص به من خلقه من كرمه، وحض عباده المؤمنين على النفير للتفقه في الدين، وندبهم إلى إنذار بريته، كما ندب إلى ذلك أهل رسالته، ومنحهم ميراث أهل نبوته، ورضيهم للقيام بحجته، والنيابة عنه في الإخبار بشريعته، واختصهم من بين عباده بخشيته.
ثم أمر سائر الناس بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم، وجعل علامة زيغهم وضلالهم ذهاب علمائهم.
فمن هؤلاء العلماء العاملين الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه اللَّه مفتي الأمة، خصه اللَّه بالفضل الوافر، والخاطر العاطر، والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار، وضنت بمثله الأعصار، من أوفاهم فضيلة وأتبعهم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأعلمهم به وأزهدهم في الدنيا وأطوعهم لربه.
قال ابن القيم (?): كان بمدينة السلام إمام أهل السنة على الإطلاق أحمد ابن حنبل الذي ملأ الأرض علمًا وحديثًا وسنة، حتى أن أئمة الحديث والسنة بعده هم أتباعه إلى يوم القيامة، وكان -رضي اللَّه عنه- شديد الكراهة لتصنيف الكتب وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه ويشتد عليه جدًّا، فعلم اللَّه