قد جَعَلَ اللَّهُ أهلَ الحديثِ والعلمِ أركانَ الشريعةِ، وهدمَ بهم كلَّ بدعةٍ شنيعة، فإنَّ الكتابَ عدَّتُهم، والرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حجَّتُهم، وهم أوعيةُ العلمِ وحملته، وحَفَظة السُّنة وخزنتها، طريقهم قويم، وسبيلهم مستقيم، فإذا أُضيف إلى ذلك تَحمل البلاء المُبين، وردّ شُبه المبتدعة أصحاب الجاه المُتمكنين، والوقوف سدًّا منيعًا في وجْهِ الانحراف العقائدي، ودرْء الفتنة عن جموعِ المسلمين، يظهر لك مكانةُ الإمام أحمد وعلمه وأثره في جيله وما بعده مِنْ أجيال إلى أنْ يقومَ النَّاسُ بين يدي ربِّ العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في "المناقب": اعلم وفقك اللَّه أنه مما يتبين الصواب في الأمور المشتبهة لمن أعرض عن الهوى والتفت عن العصبية وقصد الحق بطريقه ولم ينظر في أسماء الرجال ولا في صيتهم فذلك الذي ينجلي له غامض المشتبه فأما من مال به الهوى فعسير تقويمه. واعلم أننا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين فرأينا هذا الرجل -يعني الإمام أحمد- أوفرهم حظًّا من تلك العلوم فإنه كان من الحافظين لكتاب اللَّه عز وجل وقرأه على أساطين أهل زمانه وكان لا يميل شيئا في القرآن، ويروي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنزل القرآن فخما ففخموه" (?)، وكان لا يدغم شيئا في القرآن إلا {اتخذتم} وبابه،