قال إسحاق بن منصور: قال إسحاق: وأما طلبُ الشفعةِ فإن طلبه إِذَا سمعَ بالشراء فَذَلِكَ الطلب الذي يُوجِبُ لَهُ الشفعة، وإنْ أخّرَ المخاصمةَ، فإن عرض له شغل أو مذهب لمْ يرد بِهِ ضرر المشتري فهو عَلَى شفعتِهِ، وليسَ يبطل الشفعة تأخيرُ المخاصمةِ، ولا أنْ يكونَ يذهب في احتيال المالِ ويفارق المشتري، أوْ أنْ يسألَ المشتري كَفيلًا، أو أنْ يبدأَ مَا إِذَا لقيه بالسَّلامِ والسُّؤالِ، ثم يطلب الشفعةَ، كلّ هذا باطلٌ مما أحدثَ هؤلاء.
والشفعةُ حقٌّ جعلهُ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أصل على حدته لا يعقل بالمقاييس، إنما هوَ اسْتِسْلامٌ وتعبدٌ، ولا يبطلها إلَّا سُّنة مجمع عَلَيها، كما اجتمعت الأمةُ عَلَى تسليمِ الشفعةِ للشركاءِ، مَعَ أنَّ هؤلاء اختْلفوا فِيمَا بينهم: قال بعضهم: إِذَا طَلب الشفعةَ؛ فلَهُ أجل شهر، فإنْ خاصَمَه قبلَ الشهرِ؛ فلَهُ ذَلِكَ، فإذَا مَضَى الشهرُ؛ فَلا حقَّ لَهُ، وإنْ تركَه بعدَ الالتقاءِ ولمْ يذاكره الشفعةَ، وخلَّى سبيلَهُ؛ فَقَدْ بطلت الشفعةُ، وقالَ آخرون مِنْ أصْحَابِهِم: لهُ أجلُ ثلاثةِ أيامٍ، وأمَّا مالك بنُ أنس ومَنْ سَلك طَريقَهُ مِنْ علماءِ أهلِ العراقِ، وأهلِ الشَّامِ فإنهم قالُوا: لا تبطلُ الشفعةُ بعد إذ طلبها حينَ سمعَ بالشراءِ، حتَّى أن قومًا دخلوا عَلَى مالك فَقَالُوا: إِذَا أشْتَرى المشتري الأرضَ ويريدُ أنْ يبني فِيهَا، والشفيعُ يَتَلَوَّمُ بطلبها لمَا وَسَّعْتَ عليه في المدة، فإنَّ عَلَى المشتري ضررًا كثيرًا لما لا يمكنه البناء تَخَوُّفًا أنْ يكونَ الشفيعُ يطلبه بَعْدُ؟ فَقَال مالك: إِذَا أراد ذَلِكَ المشتري قدَّمَهُ إلى الحاكمِ فيقولُ: اشتريتُ هذِه الأرضَ وهذا شفيعُهَا يتلَّومُ في طَلَبها، وأنَا أريدُ البناءَ. فيوقف الحاكم، فإنْ لمْ يطلبْهَا فَقَد بطل دعواه في ذَلِكَ، فهذا الذي يعتمد عليه، وهو أشبهُ بالسُّنةِ