جاءَ الحديثُ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن: "مَنْ استأجرَ أجيرًا فليعلمه أجرَهُ" (?) فإنَّ ذَلِكَ كما أحتج، وغلط في الاحتجاج بهذا في هذا الموضع؛ لأنَّ الأجرةَ بينةٌ إِذَا كانتْ كسوته وطعامه، وذَلِكَ أنَّه يجعل لَهُ كسوةً وسطًا، وطعامًا كما يطعم مثله، فإنْ قال: إنَّ هذا ليس ببين، قيلَ لَهُ: فلم أجزته إِذَا استأجر ظِئْرًا (?) عَلَى أنْ يطعمَهَا ويكسُوهَا ثوبًا ضربا مِنَ الثيابِ بغيرِ أعيانها؟ فإنْ قال: استحسنتُ ذَلِكَ؛ فالحجةُ عليه إِذَا لمْ يكنْ طعامُ بطنِهِ معلومًا، وزعمت أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ استأجر أجيرًا فليبين لَهُ الأجرَ" فكيفَ جَازَ لكَ أنْ تستحسنَ خلافَ قَولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ هذِه زلةٌ عظيمةٌ، بل خدمةُ الخدم عَلَى طعامِ بطونهم أشهرُ للنَّاسِ أن يعلموها من الضرورة فكيفَ ميزت بينهمَا، وأقررتَ أنَّ مَعْنى هذا واحدٌ، وأنهُ عَلَى خلافِ مَعْنَى قولِ الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عندك؟ بل السنةُ في ذَلِكَ ما وصَفْنا أنَّهُ جائزٌ عَلَى ما يفعله النَّاسُ مِنَ الطَّعَامِ والكسوةِ، كما أنَّ الأجيرَ تستأجره شهرًا أو يومًا بدراهم معلومةٍ، فلا بدَّ من أنْ يكونَ لتلك الأيامِ ساعات لمْ يكنْ لكَ أنْ تستعمله فيها, وليس تلك الساعات بداخلةٍ في أجرتِكَ؛ لأنَّ الأجيرَ لا بدَ لهُ مِنْ إقامةِ المكتوباتِ، أو إتيانِ الغائطِ والبولِ، أو أكلِ الطَّعامِ فهذِه الأوقاتُ لمْ يبينها, ولا يستطيع أنْ يحدَّهَا في الأجير ولا