مادَامَ الذي أحيل عليه حَيًّا، فقيلَ لَهُ: وإن كان مفلسًا؟ قال: نَعم؛ لأنَّ الإِفلاسَ قَدْ يكون، ثمَّ يعودُ المالُ، فإذَا ماتَ عن الإِفلاسِ رجعَ.
وليسَ هذا بقول مع أنَّ صاحبَهُ قد خَالفَهُ، فَقال في الحوالة مثل الكفالةِ: يتكافآن جميعًا، يأخذ أيهما شاءَ. وأخطأ في ذَلِكَ؛ لأنَّ الأمَر فيه كَما وصَفْنَا منْ ذَلِكَ، ولقدْ قَالُوا: إِذَا أحاله عَلَى رجلٍ غنيًّا كَانَ أو معدمًا، فإنهُ إِذَا أبرأ صاحِب الأصل فَقَدْ برئ أيضًا، وَبرئ هذا الذي أحيلَ عليه لما صَيَّرَ حكم الحوالة كَالكفالةِ، وهذا من عظيم مَا قَالوا فِيهِ؛ لأنَّ هذا لمْ يقبل الحوالة عَلَى غَنِيٍّ اتباعًا لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا لرضائِهِ واختيارهِ إياه عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيه المال، فإذَا أبرأه وحده فكيفَ يبرأ الذِي قَبِلَ الحوالة عليه واخْتاره؟
وفِيمَا قال رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي قتادة رضي اللَّه عنه: "الديناران عليك" الذي ضمنهما عن الميت قال: نعم، فأَعَادَ، فَقَال: لَهُ "حقُّ الغريم عليك، والميت منهما بريء" (?). قال: نعم. فَتَقَاضى رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا قتادة الدينارين بعدَما برئ الميت مِنهما وضمنهما، ولَوْ كانتْ براءةُ الميت مِنَ الدينارين براءةً للذي ضَمِنَ؛ مَا تقاضاه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدَ البراءةِ. ولقَدْ قال الحسنُ: إِذَا احتال، ثمَّ برأ صاحب الأصل فقدْ برئ. ولمْ يقلْ: برءا جميعًا.
"مسائل الكوسج" (2336)