ورأيت أكثر أمره التسهيل فيه والرخصة.
قال: وقال أبو عبد اللَّه رحمه اللَّه يومًا مبتدئًا: يا أبا الحسن استغن عن الناس بجهدك، فلم أر مثل الغنى عن الناس.
قلت: ولم ابتدأتني بهذا؟ !
قال: لأنه إن كان لك شيء تصلحه وتكون فيه، وتصلحه وتستغني به عن الناس، فإن الغنى من العافية.
فحثني غير مرة على الإصلاح والاستغناء بإصلاح ما رزقت عن الناس وأقبل يغلظ الحاجة إلى الناس.
قلت: وإن ضيعتنا من الرقة على أيام وفيها دير نصارى معتزل من الناس ليس فيه إلا نفر يسير من النصارى، وبقربه مدينة.
فقال: أي مدينة هي؟ قلت: فإن لها مؤذنًا. قال: من الشام؟
قلت: لا، من الجزيرة ناحية رأس العين. قال: فذا موضع صالح -يعني الدير.
قلت: إنما شغل قلبي بشيء واحد، إن الدير معتزل عن الناس وأنا إنما أحب العزلة، وليس فيه إلا نصارى، وإنما كرهت منه أني إذا أردت أن أصلي لم أجد أحدًا أصلي معه.
قال لي: فإذا حضرت الصلاة فأذن وأقم، فإن جاءك أحد فصل معه، وإلا فصل وحدك.
قال عبد الملك: فاستحسن أبو عبد اللَّه رحمه اللَّه هذا الموضع واشتهاه لي ورأيت السرور فيه بينًا لما وصفت له من ذلك ومن عزلته.
قلت له: فإن المدينة مني على رأس ميل يمكنني الدخول إلى الجمعة، والصلوات في سائر الأيام في الدير.