قال الإمام أحمد: قوله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} [النجم: 1]، قال: وذلك أن قريشًا قالوا: إن القرآن شعر. وقالوا: أساطير الأولين، وقالوا: أضغاث أحلام، وقالوا: تقوله محمد من تلقاء نفسه. وقالوا: تعلمه من غيره؛ فأقسم اللَّه بالنجم إذا هوى، يعني: القرآن إذا نزل فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} يعني: محمدًا {وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} يقول: إن محمدًا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه، فقال: {إِنْ هُوَ} يقول: ما هو، يعنى: القرآن {إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. فأبطل اللَّه أن يكون القرآن شيئًا غير الوحي؛ لقوله إِن {إِنْ هُوَ} يقول: ما هو {إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ثم قال: {علَّمَهُ} يعني: علم محمدًا جبريل -صلى اللَّه عليه وسلم-، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} إلى قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} فسمى اللَّه القرآن وحيًا ولم يسمه خلقًا.
ثم إن الجهم ادعى أمرًا آخر فقال: أخبرونا عن القرآن، هو شيء؟ فقلنا: نعم، هو شيء. فقال: إن اللَّه خلق كل شيء، فلم لا يكون القرآن مع الأشياء المخلوقة، وقد أقررتم أنه شيء؟ !
فلعمري لقد ادعى أمرا أمكنه فيه الدعوى، ولبس على الناس بما ادعى، فقلنا: إن اللَّه في القرآن لم يسم كلامه شيئًا إنما سمى شيئًا الذي كان بقوله، ألم تسمع إلى قوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} [النحل: 40] فالشيء ليس قوله، إنما الشيء الذي كان بقوله، وفي آية أخرى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} [يس: 82] فالشيء ليس هو أمره، إنما الشيء الذي كان بأمره.
ومن الأعلام والدلالات أنه لا يعني كلامه مع الأشياء المخلوقة،
قال اللَّه للريح التي أرسلها على عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] وقد