فحدثني من أثق به من أصحابنا عن محمد بن إبراهيم بن مصعب -وهو يومئذ على الشرط للمعتصم، خليفة إسحاق بن إبراهيم- أنه قال: ما رأيت أحدًا لم يداخل السلطان، ولا خالط الملوك أثبت قلبًا من أحمد يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.
قال المروذي في محنة أحمد بن حنبل وهو بين الهنبارين: يا أستاذ، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فقال أحمد: يا مروذي، اخرج انظر أي شيء ترى؟
قال: فخرجت إلى رحبة دار الخليفة، فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا اللَّه، والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروذي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننتظر ما يقول أحمد فنكتبه.
قال المروذي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل وهو قائم بين الهنبارين قال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام، ينتظرون ما تقول فيكتبونه.
فقال: يا مروذي، أُضل هؤلاء كلهم! أقتل نفسي ولا أُضل هؤلاء كلهم (?).
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي ص 408 - 409