يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم؛ فصار استكثارهم منها استقلالًا، وذكرهم إياها فواتًا، وفرحهم بما أصابوا منها حزنًا؛ فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، وخلقت الدنيا عندهم، فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، ورفضوها فكانوا فيها هم الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت فيهم المثلات، وأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة، يحبون اللَّه، ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به، لهم خبر عجيب، وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه علموا، وليسوا يرون نائلًا مع ما نالوا، ولا أمانًا دون ما يرجون، ولا خوفًا دون ما يحذرون.
"الزهد" ص 78
قال عبد اللَّه: حدثنا أبي، أخبرنا محمد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان، عن أبي سنان قال: يقول اللَّه عز وجل: يا دنيا، مري على المؤمن فيصبر عليك، ولا تحلولي له فتفتنيه، ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأسد فاقتك، وإلا تفعل ملأته شغلًا، ولم أسد فاقتك.
"الزهد" ص 123
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال أبو الدرداء: كنت تاجرًا في الجاهلية فلما جاء الإسلام أخذت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة وتركت التجارة.
"الزهد" ص 172