ما كان فيه من الحبس، والتهديد، والإِرجاف، وهو مع ذلك أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكان إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض؛ أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب عنا ذلك كله، وينقلب إنشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة.

كل هذا في «طبقات الحنابلة» لابن رجب.

وقال الشِّهاب بن فضل الله العمري في «مسالك الأبصار».

منهم: أحمد بن عبد الحليم الحرَّاني، الحافظ الحجة.

هو البحرُ من أيِّ النواحِي أتيته، والبدرُ من أيّ الضَّواحِي رأيته، جَرَتْ آباؤُه لِشَأْوٍ ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مُريحًا من تَعَبه. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحَاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ والنهارَ دائبينِ، واتخذ العلمَ والعملَ صاحبَينِ، إل أن أَنسَى السلفَ بِهُداه، وأَنْأَى الخَلَفَ عن بلوغِ مَدَاه.

أحْيَى معالمَ بيتهِ إذْ دَرَسَ، وجَنَى من من فَنَنِه الرَّطيبِ ما غَرَسَ، فأصبحَ في فضله آيةٌ إلاّ أنه آيةُ الحَرَسِ، عَرضَتْ له الكُدَى فزَحْزَحَها، وعارضَتْه البحارُ فضَحْضَحَها، كان أُمَّةً وحدَه، وفردًا حتَّى نزلَ لَحْدَه. أَخْمَلَ من القُرَناءِ كلَّ عَظِيم، وأَخْمَدَ من أهل الفناءِ كلَّ قديم، ولم يكن منهم أحد إلاّ يُجْفِلُ عنه إجفالَ الظَّليم، ويَتَضاءلُ لديه تَضاؤُلَ الغَرِيم.

جاء في عصرٍ مأهولٍ بالعلماء، مشحونٍ بنجوم السماء، تَمُوجُ في جانبَيهِ بحورٌ خَضَارِمُ، وتَطِيرُ بين خافِقَيهِ نُسُورٌ قَشَاعِمُ، وتُشْرِقُ في أنديتهِ بُدورُ دُجُنَّةٍ، وصدورُ أسِنَّةٍ، إلاّ أن صَبَاحَه طَمَسَ تلك النجوم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015