والمقصود أَنَّ الشَّيخ تقي الدين أقام بثغر الإِسكندرية ثمانية أشهر مقيمًا ببرج متسع مليح نظيف له شباكان أحدهما إِلى جهة البحر والآخر إِلى جهة المدينة، وكان يدخل عليه من شاء، ويتردّد إِليه الأكابر والأعيان الفقهاء، يقرأون عليه ويستفيدون منه، وهو في أطيب عيش وأشرح صدر.
وفي آخر ربيع الأَوَّل عزل الشَّيخ كمال الدين ابن الزَّمَلْكاني عن نظر المارستان بسبب انتمائه إِلى ابن تَيْمِيَّة بإشارة المنبجي، وباشره شمس الدين عبد القادر بن الحظيري.
وفي هذا الشهر [جمادى الآخرة] عزل عنها (أي: مشيخة سعيد السعداء) الشيخ كريم الدين الآملي؛ لأنه عزل منها الشهود فثاروا عليه، وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدين، فرُسِم بصرفه عنهم، وعُومل بنظر ما كان يعامل به الناس، ومن جملة ذلك: قيامه على شيخ الإِسلام ابن تيمية، وافتراءه عليه بالكذب، مع جهله وقلة ورعه، فعجَّل الله له هذا الجزاء على يد أصحابه وأصدقائه جزاءً وفاقًا.
قال الشَّيخ علم الدين البرزالي: ولما دخل السلطان إِلى مصر يوم عيد الفطر، لم يكن له دأب إِلاَّ طلب الشَّيخ تقي الدين ابن تَيْمِيَّة من الإِسكندرية معزَّزًا مكرَّمًا مُبجَّلاً،، فوجه إِليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أَو يومين، فقدم الشَّيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر، وخرج مع الشَّيخ خلق من الإِسكندرية يودعونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقّاه ومشى إِليه في مجلس حافل، فيه قضاة المصريين والشاميين، وأصلح بينه وبينهم، ونزل الشَّيخ إلى القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الحسين، والناس يترددون إِليه، والأمراء والجند وجماعة كثيرة من الفقهاء والقضاة منهم من يعتذر إِليه