بمصر يعظمونه إِلى أَن أَخذ في القول على السيدة نفيسة فأعرضوا عنه. ورأيته مرّات بمدرسة القصاعين وبالحنبليّة جُوَّا باب الفراديس، وكان إِذا تكلّم أغمض عينيه وازدحمت العبارة على لسانه فرأيت العجب العجيب، والحَبر الَّذي ما له مُشاكل في فنونه ولا ضريب، والعالم الَّذي أَخذ من كل شيء بنصيب، سهمه للأغراض مصيب، والمناظرَ الَّذي إِذا جال في حومة الجدال رُمي الخصوم من مباحثه باليوم العصيب:

وعاينتُ بدرًا لا يَرى البدرُ مثلَهُ ... وخاطبتُ بحرًا لا يَرى العِبرَ عائمهُ

أخبرني المولى علاء الدين عليّ بن الآمدي، وهو من كبار كتّاب الحساب، قال: [دخلت] يومًا إِليه أَنا والشمس النفيس عامل بيت المال ولم يكن في وقته أكتبَ منه فأخذ الشَّيخ تقي الدين يسأله عن الارتفاع وعمّا بين الفذلكة واستقرار الجملة من الأبواب وعن الفذلكة الثانية وخصمها وعن أعمال الاستحقاق وعن الختم والتوالي وما يطلب من العامل وهو يجيبه عن البعض ويسكت عن البعض ويسأله عن تعليل ذلك إِلى أَن أوضح له ذلك وعلّله؛ قال: فلمّا خرجنا من عنده قال لي النفيس: والله تعلّمتُ اليوم منه ما لا كنت أعلمه؛ انتهى ما ذكره علاء الدين.

وسألته في سنة ثماني عشرة أَو سبع عشرة وسبع مئة وهو بمدرسته بالقصاعين عن قوله تعالى: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فقلت له: المعروف بين النحاة أَن الجمع لا يوصف إلاّ بما يوصف به المفرد من الجمع بالمفرد من الوصف، فقال: كذا هو؛ فقلت: ما مفرد متشابهات؟ فقال: متشابهة، فقلت: كيف تكون الآية الواحدة في نفسها متشابهة، وإنما يقع التشابه بين آيتين؟ وكذا قوله تعالى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} كيف يكون الرَّجل الواحد يقتتل مع نفسه؟ فعدل بي من الجواب إِلى الشكر، وقال: هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015