الله ترجع الأمور. وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، والكمال للرسل، والحجة في الإجماع. فرحم الله امرأً تكلم في العلماء بعلم، أَو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم، ثمَّ استغفر لهم، ووسَّع نطاق المعذرة، وإِلاَّ؛ فهو لا يدري، ولا يدري أَنَّه لا يدري.

وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تَيْميَّة في مفرداته؛ فقد أَقررت على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف!

وإن قلت: لا أعذره، لأَنَّه كافر، عدو الله تعالى ورسوله! قال لك خلقٌ من أَهل العلم والدين: ما علمناه والله إِلاَّ مؤمنًا محافظًا على الصلاة، والوضوء، وصوم رمضان، معظمًا للشريعة ظاهرًا وباطنًا. لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخَّار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك. ولا هو بمتلاعب بالدين؛ فلو كَانَ كذلك؛ لكان أسرع شيء إِلى مداهنة خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.

ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهي، ولا يفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن أَو بالحديث أَو بالقياس، ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أُسوةَ مَنْ تقدمه من الأئمة، فإِن كَانَ قد أَخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كَانَ قد أصاب؛ فله أجران.

وإِنَّما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى ولم يُبْدِ حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرةٍ من علم ولا توسُّعٍ في نقل؛ فنعوذ بالله من الهوى والجهل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015