والحديث، وكان إمامًا لا يلحق غُبَاره في كلِّ شيء، وبَلَغ رُتْبة الاجتهاد، واجتمعت فيه شروط المجتهدين. وكان إِذا ذكر التفسير أبهت النَّاس من كثرة محفوظه، وحُسْن إيراده، وإعطائه كلَّ قولٍ ما يستحقُّه من التَّرْجيح والتَّضْعيف والإِبطال، وخَوْضه في كل عِلْم، كَانَ الحاضرون يقضون منه العَجَب، هذا مع انقطاعه إِلى الزُّهد والعِبادة، والاشتغال بالله تعالى، والتجرُّد من أسباب الدُّنيا، ودعاء الخلق إِلى الله تعالى، وكان يجلس في صبيحة كلِّ جُمُعة على النَّاس يفسِّر القُرْآن العظيم، فانتفع بمجلسه وبركة دعائه، وطهارة أنفاسه، وصِدْق نيته، وصفاء ظاهره وباطنه، وموافقة قوله لعمله، وأناب إِلى الله خَلْقٌ كثير، وجَرَى على طريقة واحدة من اختيار الفقر، والتقلُّل من الدُّنيا، وردِّ ما يفتح به عليه.

وقال علم الدِّين في موضع آخر: رأيتُ في إجازة لابن الشَّهْرَزُوري المَوْصِلي خَطَّ الشَّيخ تقي الدِّين، وقد كَتَبَ تحته الشَّيخُ شمس الدين الذَّهَبيّ: هذا خَطُّ شيخنا الإِمام، شيخ الإِسلام، فَرْد الزَّمان، بحر العلوم، تقيِّ الدين. مولده عاشر ربيع الأَوَّل سنة إِحدى وستين وست مئة، وقرأ القُرْآن والفِقْه، وناظر استدلَّ وهو دون البلوغ، وبَرَعَ في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين، وصنَّف التَّصانيف، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المُصَنَّفات الكبار الَّتي سارت بها الركبان، ولعلَّ تصانيفَه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كُرَّاس وأكثر، وفَسَّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صَدْره أيام الجُمَع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاتُه من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مئتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إِليها المُنْتَهى، وحِفْظُه للحديث ورجاله وصِحَّته وسُقمِه فما يُلْحق فيه، وأما نَقْلُه للفِقه ومذاهب الصَّحابة والتابعين -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015