ورجحان دليله، وهو ناصر الحق وأهله، ولو بعد حين.

وجميع ما وقع من هذه الأمور فيه من الدلالة إن شاء الله على شمول أمره، وظهور كلمة هذه العلوم الباهرةِ أكثر مما فيه من الدلالة على خلاف ذلك، ولا قوة إلا بالله، غير أن الأشياء المقدورة، تفتقر إلى أسبابها المعلومَة، ولهذا كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم وهو في العريش يوم بدر يجتهد على الاستغاثة بالله التي كانت أكبر أسباب النصرة في ذلك اليوم، بعد أن عرفه الله تعالى، قبل ذلك، جلية مصارع القوم. ولما التزمه أبو بكر من ورائه قائلاً له: «يا رسول الله، أهكذا مناشدتُك ربَّكَ، فإنه وافٍ لك بما وعدك»، لم يترك استغاثته بربه، لعلمه أن الأمور المقدَّرة لابد أن تقع بأسبابها اللازمة لها، المعروفة بها. ومصداق ذلك ما أنزله سبحانه في تقرير هذا الأمر، وتحقيق هذه القاعدة، وهو قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} لأنه سبحانه بيّن حكم الأسباب المتقدمة والمتأخرة، ورد الأمر إلى حقائق التوحيد، بقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهذا هو نهاية مطالب هذا الباب، واتباع هذه الأحكام الثابتة على هذه الصفة المؤيدة، هو بلا شك أعلى مراتبِ العبودية، وأنفعها وأرفعها في حق مجموع البرية. فأثروا من استعمال هذا الأمر الجليل، وحسبُنا الله ونعمَ الوكيلُ.

والحمد لله وحده، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله، وسلامه على جميع الصالحين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015