وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يوعك، فوضعت يدي عليه، فوجدت حَرَّهُ بين يديّ، فوق اللّحاف، فقلت يا رسول الله! ما أشدّها عليك! قال: "إِنّا كذلك، يُضَعَّفُ لنا البلاء، ويضعَّفُ لنا الأجر" قلت: يا رسول الله! أيُّ الناس أشدّ بلاء؟ قال: "الأنبياء" قلت: يا رسول الله! ثمَّ مَنْ؟ قال: "ثُمَّ الصالحون، إِن كان أحدُهم ليبْتَلى بالفقر، حتى ما يجد أحدُهمُ إِلا العباءة يحوبها، وإِن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدُكم بالرّخاء". (?)
ونبصر التنويه بذلك لأجل الإيمان بالله، بأنه سنَّةٌ الله في سالف أهل الإيمان، وتأكيد الجملة بلام القسم وحرف التحقيق، لتنزيل المؤمنين حين استعظموا ما نالهم من الفتنة من المشركين، واستبطؤوا النصر على الظالمين، وذهولهم عن سنّة الكون في تلك الحياة لتنزيلهم منزلة من ينكر أن من يخالف الدهماء في ضلالهم، ويتجافى عن أخلاقهم ورذالتهم لابدّ أن تلحقه منهم فتنة.
ولما كان هذا السنَن من آثار ما طبع الله عليه عقول غالب البشر، وتفكيرهم غير المعصوم بالدلائل، وكان حاصلاً في الأمم السابقة أسندت فتن تلك الأمم إلى الله تعالى إسناداً مجازيًّا؛ لأنه خالق الأسباب، كما خلق