(2) مُقَدِّمَة المؤلف

الحمد لِلهِ رب العالمين , والصلاة والسلام على رسولِ الله خاتم الأنبياء والمرسلين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , وبعد:

بدَأَتْ فكرةُ تأليف هذا الكتاب عندما كنت أقرأ كتاب المغني لابن قدامة المقدسي - وهو كتاب في الفقه المقارن - فلفت انتباهي كثرة الخلاف بين العلماء في المسائل الفقهية , فلا تكاد تجد في المغني مسألة اتفق عليها الفقهاء الأربعة فضلا عن غيرهم , لكن المؤلف - ابن قدامة رحمه اللَّه - كثيرا ما يُرَجِّح بين الأقوال بالاستدلال بالحديث , فيحتج بالحديث ويعتمد عليه في الحكم على المسألة , وقد يتعجب من يقرأ في كتاب المغني من فتاوى بعض كبار الفقهاء , حيث أن الحكم في المسألة قد يكون واضحا وضوح الشمس لوجود حديث صريح صحيح يدل على هذا الحكم , ومع ذلك تجد أن بعض الفقهاء لَا يعلم بهذا الحديث , فيفتي برأيه في المسألة , ويتناقل تلاميذه فتاوى شيخهم عبر العصور , وحين يأتي من يُخبرهم بخطأ شيخهم في هذه المسألة , فإنهم يتعصبون لمذهبه , ويرفضون الأخذ بالحديث , والنتيجة المؤسفة لهذه المشكلة , هي أنه كلما كثر العلماء في العالم الإسلامي , كلما ازداد المسلمون فُرْقة وتَشَتُّتًا ..

فقلت في نفسي: بِما أن الحديث هو الفيصلُ في الحكم على كثير من مسائل الفقه وغيره , فلماذا لَا أقرأُ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أقرأ كتب العلماء في الفقه , فأعرف الخطأ من الصواب من الآراء المختلفة , بناءً على موقف الحديث منها!؟

فبدأت أقرأ في البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة , فلفت انتباهي في هذه الكتب أمور:

أولها: أن هذه الكتب - ما عدا الصحيحين - فيها الصحيح والضعيف والموضوع , يعني ليس كل ما فيها يمكنني الاعتماد عليه في الاستدلال على الأحكام , فلا بد من فرز الصحيح عن الضعيف.

وثانيها: أن هذه الكتب فيها كثير من الأحاديث المُكَرَّرَة التي تُمِلُّ القارئ المبتدئ , وإن كان الفقيه المُتَبحِّر يعلم أن في كثير من هذه الروايات زيادات هامة قد يستنبط منها كثيرا من الأحكام.

ثالثها: أن هذه الكتب فيها كثير من الأحاديث المتضادة في المعنى (?).

رابعها: أن هذه الكتب ليست كلها مؤلفة بطريقة يَسْهُل مطالعتها, ففيها السنن والمسانيد والمعاجم.

فقلت في نفسي: لماذا لَا تكون السنة الصحيحة مجتمعة في كتاب واحد - كما هو الحال بالنسبة للقرآن - بحيث يكون هذا الكتاب محذوف المُكَرَّر , صحيح الأحاديث , مُبَيِّنًا للناسخ من المنسوخ , مُرَتَّبا على الأبواب الموضوعية؟.

ومن هنا قررت أن أجمع (ما صح) من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب واحد , وأن أجمع روايات كل حديث ليصبح رواية واحدة , وأُرَتِّب هذه الأحاديث على الأبواب الموضوعية ترتيبا مُمَيزاً , وبعد ذلك أبدأ بدراسة الفقه - إن شاء الله - فأنظر في المسألة , فإن كان فيها دليل أخذنا بالدليل , وإن لم يكن فيها إِلَّا آراء العلماء , فكلٌّ يأخذ برأي شيخه , فالاجتهاد لَا يُنقضُ بالاجتهاد.

أمَّا أن يبدأ الطالب بدراسة كتب شيوخه مُهْمِلًا سنةَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهذا ينطبق عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بِقِطْعَةٍ مِنَ التَّوْرَاة , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ (?)؟ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا (?) بَيْضَاءَ نَقِيَّةً (?)) (?) (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي , لَضَلَلْتُمْ) (?) (عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ , وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي) (?) (مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي (?)) (?) (أَنَا حَظُّكُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ , وَأَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ ") (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015