اِقْتِنَاء آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة

أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اقْتِنَاءَ الْفِضَّةِ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الأَوَانِي لا يَحْرُمُ إِذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْفِضَّةِ عَلَى صُورَةِ الأَوَانِي وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ آرَاءٌ:

الرَّأيُ الأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الرَّاجِحَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهَؤُلاءِ يَرَوْنَ أَنَّ اقْتِنَاءَ أَوَانِي الْفِضَّةِ تَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا، لأَنَّ مَا لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ، وَلأَنَّ اتِّخَاذَهُ يُؤَدِّي إِلَى اسْتِعْمَالِ مُحَرَّمٍ، فَيَحْرُمُ، كَإِمْسَاكِ الْخَمْرِ، وَلأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الاسْتِعْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُيَلاءِ وَالسَّرَفِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الاتِّخَاذِ، وَلأَنَّ الاتِّخَاذَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَبَثٌ، فَيَحْرُمُ. (?)

(تكملة فتح القدير - نتائج الأفكار - على الهداية 10/ 8 ط الفكر): وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَافِي فَأَفْرَدَهُ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِعُمُومِ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْكَافِي: قُلْت وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا سَبَقَ , وَصِدْقُهُ عَلَى الْمُفَضَّضِ وَالْمُضَبَّبِ مَمْنُوعٌ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ رَدًّا لِمَا فِي الْكَافِي مِنْ احْتِجَاجِ أَبِي يُوسُفَ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِتَامٍّ ; لأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ لَمْ يَعُمَّ الْمُفَضَّضَ وَالْمُضَبَّبَ عِبَارَةُ يَعُمُّهُمَا دَلالَةً كَعُمُومِهِ لِلادِّهَانِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ , وَكَعُمُومِهِ لِلأَكْلِ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالاكْتِحَالِ بِمِيلِ الذَّهَبِ , وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا , فَإِنَّ الْمَدَارَ فِي كُلِّهَا تَنَاوُلُ النَّهْيِ الْوَارِدِ الْمَذْكُورِ لِكُلٍّ مِنْهَا دَلالَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حُجَّتُهُمَا الْعُمُومَاتُ الْوَارِدَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ فَكُرِهَ , وَهَذَا لأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الإِنَاءِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّشَبُّهِ بِالأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ. فَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُكْرَهُ , بِخِلافِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ وَالْمِنْطَقَةِ حَيْثُ لا يُكْرَهُ ; لأَنَّ الرُّخْصَةَ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ نَصًّا , أَمَّا هَاهُنَا بِخِلافِهِ , إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ.

أحكام القرآن لابن العربي (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-د. ت) ج4 ص97: الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ إذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهَا لَمْ يَجُزْ اقْتِنَاؤُهَا؛ لأَنَّ مَا لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ كَالصَّنَمِ وَالطُّنْبُورِ.

وَفِي كُتُبِ عُلَمَائِنَا إنَّهُ يَلْزَمُ الْغُرْمُ فِي قِيمَتِهَا لِمَنْ كَسَرَهَا؛ وَهُوَ مَعْنَى فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ كَسْرَهَا وَاجِبٌ؛ فَلا ثَمَنَ لِقِيمَتِهَا.

شرح مختصر خليل للخرشي (دار الفكر-د. ط-د. ت) ج1 ص100: وَمِمَّا يَحْرُمُ ادِّخَارُ إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ؛ لأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَيْهِ وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ.

التاج والإكليل (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-1416هـ-1994م) ج1 ص183 - 184: الْبَاجِيُّ: مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا تَقْتَضِي جَوَازَ الاتِّخَاذِ دُونَ الاسْتِعْمَالِ لأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَهَا، وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصِيَاغَةً " وَنَحْوُ هَذَا لابْنِ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ مَا يَقَعُ فِي الصَّرْفِ الْمَازِرِيُّ: يُؤْخَذُ جَوَازُ الاتِّخَاذِ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ " ظُهُورُ شَقِّهَا بَعْدَ بَيْعِهَا عَيْبٌ " عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَاقْتِنَاؤُهَا انْتَهَى وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ثِيَابَ الْحَرِيرِ الْمُعَدَّةَ لِلرِّجَالِ فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ جَائِزٌ بَيْعُهَا (وَإِنْ لامْرَأَةٍ) الْكَافِي: لا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَلا لِلنِّسَاءِ.

الأشباه والنظائر (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-1411هـ-1990م) ج1 ص150: الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ " مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ " وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ اتِّخَاذُ آلاتِ الْمَلاهِي وَأَوَانِي النَّقْدَيْنِ، وَالْكَلْبُ لِمَنْ لا يَصِيدُ، وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَوَاسِق، وَالْخَمْرُ وَالْحَرِيرُ، وَالْحُلِيّ لِلرَّجُلِ.

المجموع (مكتبة الإرشاد-السعودية- ومكتبة المطيعي-د. ط-د. ت) ج1 ص302 - 308: هَلْ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الإِنَاءِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَادِّخَارُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِيهِ خِلافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَالأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ قَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي حِكَايَتِهِ، فَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الاتِّخَاذِ، وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ مَا لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ كَالطُّنْبُورِ، وَلأَنَّ اتِّخَاذَهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِعْمَالِهِ فَحُرِّمَ كَإِمْسَاكِ الْخَمْرِ. قَالُوا: لأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الاسْتِعْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلاءِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الاتِّخَاذِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الآخَرِ: إنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الاسْتِعْمَالِ دُونَ الاتِّخَاذِ، فَيُقَالُ: عَقَلْنَا الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الاسْتِعْمَالِ وَهِيَ السَّرَفُ وَالْخُيَلاءُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الاتِّخَاذِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ صَنَعَ الإِنَاءَ صَانِعٌ أَوْ كَسَرَهُ كَاسِرٌ - فَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ - وَجَبَ لِلصَّانِعِ الأُجْرَةُ وَعْلِي الْكَاسِرِ الأَرْشُ، وَإِلا فَلا.

المغني (مكتبة القاهرة-د. ط -1388هـ 1968م) ج7 ص285: وَاِتِّخَاذُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُحَرَّمٌ، فَإِذَا رَآهُ الْمَدْعُوُّ فِي مَنْزِلِ الدَّاعِي، فَهُوَ مُنْكَرٌ يَخْرُجُ مِنْ أَجْلِهِ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَعْمَلا كَالْمُكْحُلَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ الأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ: إذَا رَأَى حَلْقَةَ مِرْآةٍ فِضَّةً، وَرَأسَ مُكْحُلَةِ، يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: هَذَا تَأوِيلٌ تَأَوَّلْته، وَأَمَّا الآنِيَةُ نَفْسُهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَكٌّ. وَقَالَ: مَا لا يُسْتَعْمَلُ فَهُوَ أَسْهَلُ، مِثْلُ الضَّبَّةِ فِي السِّكِّينِ وَالْقَدَحِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ رُؤْيَةَ الْمُنْكَرِ كَسَمَاعِهِ، فَكَمَا لا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ فِيهِ صَوْتَ الزَّمْرِ، لا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعٍ يَرَى فِيهِ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ.

الآداب الشرعية (مؤسسة قرطبة-القاهرة-د. ط-د. ت) ج3 ص491 - 494: وَقَدْ بَحَثَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالُوا: وَلأَنَّ اتِّخَاذَهَا يَدْعُو إلَى اسْتِعْمَالِهَا وَيُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَحُرِّمَ كَالْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ وَاقْتِنَاءِ الْخَمْرِ؛ وَلأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الاسْتِعْمَالِ كَالْمَلاهِي قَالُوا وَتَحْرِيمُ الاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ السَّرَفُ وَالْخُيَلاءُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الاتِّخَاذِ، وَهَذَا جَارٍ بِظَاهِرٍ فِي مَسْأَلَتِنَا.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ وَلَمْ يَزِدْ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ وَذَكَرَ فِي حُجَّةِ الْمُخَالِفِ أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الاسْتِعْمَالِ تَحْرِيمُ الاتِّخَاذِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ ثِيَابَ الْحَرِيرِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ ثِيَابَ الْحَرِيرِ تُبَاحُ لِلنِّسَاءِ وَتُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ فِيهَا. فَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ لأَصْحَابِنَا فِي اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ فِي غَيْرِ جِنْسِ اللُّبْسِ اللُّغَوِيِّ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ لِلزِّينَةِ وَنَحْوِهَا وَجْهَيْنِ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ إبَاحَةِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَإِنَّ اخْتِيَارَ الآمِدِيِّ إبَاحَةَ يَسِيرِ الْحَرِيرِ مُفْرَدًا وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إبَاحَةَ يَسِيرِ الْحَرِيرِ وَظَاهِرُهُ كَقَوْلِ الآمِدِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ تَحْرِيمَ اللُّبْسِ وَالافْتِرَاشِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ اللُّبْسِ اللُّغَوِيِّ وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ حَرَكَاتِ الْحَرِيرِ والبشخانة وَالْخَيْمَةِ وَالاسْتِنْجَاءِ بِالْحَرِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

الرَّأيُ الثَّانِي: أَنَّ اتِّخَاذَ أَوَانِي الْفِضَّةِ لا يَحْرُمُ إِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ أَوْ وَجْهٌ عَنْ أَحْمَدَ، لأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالاسْتِعْمَالِ فَلا يَحْرُمُ الاتِّخَاذُ، كَمَا لَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ ثِيَابَ الْحَرِيرِ وَاقْتَنَاهَا دُونَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا، فَكَذَا اقْتِنَاءُ أَوَانِي الْفِضَّةِ دُونَ اسْتِعْمَالِهَا. (?)

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِ الاتِّخَاذِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: فَإِنِ اتَّخَذَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ إِنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ (?) لأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ. (?)

الرَّأيُ الثَّالِثُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الاتِّخَاذُ بِقَصْدِ الاسْتِعْمَالِ، أَمَّا إِذَا كَانَ اتِّخَاذُهُ بِقَصْدِ الْعَاقِبَةِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ بِنْتِهِ، أَوْ لا لِشَيْءٍ، فَلا حُرْمَةَ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْعَدَوِيُّ. (?)

وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: وَحَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ - أَيِ ادِّخَارُهُ - وَلَوْ لِعَاقِبَةِ دَهْرٍ، لأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا التَّجَمُّلُ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقَوْلُنَا: " وَلَوْ لِعَاقِبَةِ دَهْرٍ " هُوَ مُقْتَضَى النَّقْلِ، وَيُشْعِرُ بِهِ التَّعْلِيلُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ، إِذِ الإِنَاءُ لا يَجُوزُ لِرَجُلٍ وَلا لامْرَأَةٍ، فَلا مَعْنَى لاِتِّخَاذِهِ لِلْعَاقِبَةِ، بِخِلافِ الْحُلِيِّ. (?)

وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِنَاءَهُ إِنْ كَانَ بِقَصْدِ الاسْتِعْمَالِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ لِقَصْدِ الْعَاقِبَةِ أَوِ التَّجَمُّلِ أَوْ لا لِقَصْدِ شَيْءٍ، فَفِي كُلٍّ قَوْلانِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015