(خ) , وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: (رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ (?) قَالَ أَنَسٌ: " لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي هَذَا الْقَدَحِ) (?) (الشَّرَابَ كُلَّهُ: الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللَّبَنَ ") (?) (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -، فَتَرَكَهُ) (?).
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِ الآنِيَةِ الْمُفَضَّضَةِ وَالْمُضَبَّبَةِ بِالْفِضَّةِ: فَعِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الآنِيَةِ الْمُفَضَّضَةِ وَالْمُضَبَّبَةِ إِذَا كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ.
وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الاسْتِعْمَالُ إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ قَلِيلَةً.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُفَضَّضَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْمَنْعُ، وَالأُخْرَى الْجَوَازُ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمُ الْجَوَازَ.
وَأَمَّا الآنِيَةُ الْمُضَبَّبَةُ فَلا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ شَدُّهَا بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمُضَبَّبِ بِالذَّهَبِ، كَثُرَتِ الضَّبَّةُ أَوْ قَلَّتْ، لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُضَبَّبَ بِالذَّهَبِ كَالْمُضَبَّبِ بِالْفِضَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلِغَيْرِ زِينَةٍ، جَازَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزِّينَةِ حَرُمَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً. وَالْمَرْجِعُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ. (?)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُضَبَّبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ الْيَسِيرُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهُ لا يُبَاحُ مِنَ الذَّهَبِ إِلا مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ. وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَيُبَاحُ مِنْهَا الْيَسِيرُ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُبَاحُ ذَلِكَ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لا يُبَاحُ الْيَسِيرُ إِلا لِحَاجَةٍ.
وَتُكْرَهُ عِنْدَهُمْ مُبَاشَرَةُ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ بِالاسْتِعْمَالِ، كَيْ لا يَكُونَ مُسْتَعْمَلا لَهَا. (?)
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ وَالْمُفَضَّضِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ. وَحُجَّةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ كُلا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَابِعٌ، وَلا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ، كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ، وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ، وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي الْفَصِّ. (?)
وَحُجَّةُ مَنْ جَوَّزَ قَلِيلَ الْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ " أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ "، وَأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ وَلا خُيَلاءُ، فَأَشْبَهَ الضَّبَّةَ مِنَ الصُّفْرِ (النُّحَاسِ).
وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ضَبَّةِ الْفِضَّةِ مِنَ السَّلَفِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَغَيْرُهُمْ. (?)