اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جِلْدَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لأَنَّهُ جِلْدٌ طَاهِرٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مَأكُولٍ، فَجَازَ الانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الذَّكَاةِ كَاللَّحْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَثَرِ الذَّكَاةِ فِي تَطْهِيرِ جِلْدِ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَجُمْلَةُ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ، إِلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهِ، وَلا تُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ جِلْدِهِ، بَلْ يَكُونُ نَجِسًا بِهَذِهِ الذَّكَاةِ كَمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، لأَنَّ هَذِهِ الذَّكَاةَ لا تُطَهِّرُ اللَّحْمَ وَلا تُبِيحُ أَكْلَهُ، كَذَبْحِ الْمَجُوسِ، وَكُلِّ ذَبْحٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، فَلا يَطْهُرُ بِهَا الْجِلْدُ، لأَنَّ الْمَقْصُودَ الأَصْلِيَّ بِالذَّبْحِ أَكْلُ اللَّحْمِ، فَإِذَا لَمْ يُبِحْهُ هَذَا الذَّبْحُ فَلأَنْ لا يُبِيحَ طَهَارَةَ الْجِلْدِ أَوْلَى.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِ كَالْخِنْزِيرِ، وَالْمُخْتَلَفِ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ كَالْحِمَارِ، وَالْمَكْرُوهِ أَكْلُهُ كَالسَّبُعِ، قَالُوا: إِنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ لَكِنْ لا يُؤْكَلُ، وَأَمَّا مَكْرُوهُ الأَكْلِ فَإِنْ ذُكِّيَ لأَكْلِ لَحْمِهِ طَهُرَ جِلْدُهُ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ ذُكِّيَ لأَخْذِ الْجِلْدِ فَقَطْ طَهُرَ وَلَمْ يُؤْكَلِ اللَّحْمُ لأَنَّهُ مَيْتَةٌ لِعَدَمِ نِيَّةِ ذَكَاتِهِ بِنَاءً عَلَى تَبَعُّضِ النِّيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَعَلَى عَدَمِ تَبَعُّضِهَا يُؤْكَلُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ - عِنْدَهُمْ - بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ إِلا الْخِنْزِيرَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ ". أَلْحَقَ الذَّكَاةَ بِالدِّبَاغِ، ثُمَّ الْجِلْدُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَا بِالذَّكَاةِ لأَنَّ الذَّكَاةَ تُشَارِكُ الدِّبَاغَ فِي إِزَالَةِ الدِّمَاءِ السَّائِلَةِ وَالرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ فَتُشَارِكُهُ فِي إِفَادَةِ الطَّهَارَةِ. (?)
إضافة: وَأَمَّا مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ ذَبْحَهُ كَمَوْتِهِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَجِلْدُهُ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لا يُفْسِدُهُ إِلا أَنَّهُ لا يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْخِنْزِيرِ. أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ رِجْسٌ. (?)