(م س حم) , وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ (?) قَالَ: (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَقُلْتُ: إِنَّا نَغْزُو هَذَا الْمَغْرِبَ , وَإِنَّهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ , وَلَهُمْ قِرَبٌ يَكُونُ فِيهَا اللَّبَنُ وَالْمَاءُ) (?) وفي رواية: (وَعَامَّةُ أَسْقِيَتِهِمْ الْمَيْتَةُ) (?) (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَقُولُ: " إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ ") (?)
تقدم شرحه
قال الشوكاني: - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. "46" وَعَنْ " عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " بِالْمُهْمَلَتَيْنِ تَصْغِيرُ حِصْنٍ، وَ " عِمْرَانُ " هُوَ " أَبُو نُجَيْدٍ " بِالْجِيمِ تَصْغِيرُ نَجْدٍ، الْخُزَاعِيُّ الْكَعْبِيُّ، أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ إلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ مِنْ فُضَلاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ " بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ أَلِفٌ وَبَعْدَ الأَلِفِ مُهْمَلَةٌ، وَهِيَ الرَّاوِيَةُ وَلا تَكُونُ إلا مِنْ جِلْدَيْنِ تُقَامُ بِثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ [امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ] [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ [فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ]. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِأَلْفَاظٍ فِيهَا: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا وَآخَرُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ فَقَدَا الْمَاءَ، فَقَالَ: اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ، فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ، عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، قَالا: انْطَلِقِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .. إلَى أَنْ قَالَ: وَدَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَفَرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، أَوْ السَّطِيحَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسُقِيَ مَنْ سُقِيَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ " الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَمُعْجِزَاتٌ نَبَوِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ الْمُشْرِكَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا سَلَفَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ " أَبِي ثَعْلَبَةَ " مِنْ طَهَارَةِ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى طَهُورِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ؛ لأَنَّ الْمَزَادَتَيْنِ مِنْ جُلُودِ ذَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْمُشْرِكِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُشْرِكَةَ قَدْ بَاشَرَتْ الْمَاءَ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لا يَحْمِلُ الْجَمَلُ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ.
وَمَنْ يَقُولُ: إنَّ رُطُوبَتَهُمْ نَجِسَةٌ، وَيَقُولُ: لا يُنَجِّسُ الْمَاءَ مَا غَيَّرَهُ، فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. نيل20
قلت: وعندي أن هذا الحديث لا حجة فيه على طهارة آنية الكفار مطلقا , لأن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وأصحابه كانوا مضطرين , وقد تقدم قول النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لأبي ثعلبة الخشني: «إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» (?)
فالأمر متعلق بثلاث حالات:
الأولى: إن وجد غيرها , فالأفضل استعماله , وإن تيقن عدم النجاسة في آنية المشركين.
الحالة الثانية: إن علم استعمالهم للنجاسة , فلا بد من غسل آنيتهم قبل استعمالها لحديث أبي ثعلبة.
الحالة الثالثة: إن علم استعمالهم للنجاسة , ولم يمكن غسل آنيتهم - كما هو حال مزادة المرأة المشركة - فهنا حكم استعمال آنيتهم هو حكم المضطر. ع