(خ م) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ , يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ " (?)
الشَّرْح:
(الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ , يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حراما. (حم) 2646
قَوْلُهُ: (كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَيْءَ حَرَامٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِلتَّنْفِيرِ خَاصَّةً لِكَوْنِ الْقَيْءِ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. فتح1490
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَوْلُهُ: (كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنْ اِقْتَضَى التَّحْرِيمَ لِكَوْنِ الْقَيْءِ حَرَامًا. لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبَّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ التَّنْزِيهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ الْكَلْبِ. وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ مَا تَأَوَّلَهُ وَمُنَافِرَةِ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ لَهُ، وَبِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُرِيدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّجْرِ كَقَوْلِهِ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ. تحفة1298
كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَنَقْرِ الْغُرَابِ وَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ إِلَّا التَّحْرِيمُ، وَالتَّأوِيلُ الْبَعِيدُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. تحفة2131
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
اخْتَلَفَتِ الآرَاءُ فِي طَهَارَةِ الْقَيْءِ وَنَجَاسَتِهِ.
فَيَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِنَجَاسَتِهِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ تَفْصِيلُهُ، وَبِذَلِكَ يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ نَجَاسَتَهُ مُغَلَّظَةٌ؛ لأَنَّ كُلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِنْسَانِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَنَجَاسَتُهُ غَلِيظَةٌ وَلا خِلافَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ (?)، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمَّارُ إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالْقَيْءِ، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ " (?) وَهَذَا إِذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، أَمَّا مَا دُونَهُ فَطَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (?) وَفِي فَتَاوَى نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ: صَبِيٌّ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الأُمِّ: إِنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَنَجِسٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلاةَ فِي هَذَا الثَّوْبِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (?)
وَالثَّدْيُ إِذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ، ثُمَّ رَضِعَهُ حَتَّى زَالَ أَثَرُ الْقَيْءِ، طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّتْ صَحَّتْ صَلاتُهَا. (?)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَيْثُ وَصَلَ إِلَى الْمَعِدَةِ، وَلَوْ مَاءً وَعَادَ حَالا بِلا تَغَيُّرٍ؛ لأَنَّ شَأنَ الْمَعِدَةِ الإِحَالَةُ، فَهُوَ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إِلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ، فَكَانَ نَجِسًا كَالْغَائِطِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ (?) وَقَالُوا: إِنَّهُ لَوِ ابْتُلِيَ شَخْصٌ بِالْقَيْءِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَإِنْ كَثُرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ.
وَالْمُرَادُ بِالابْتِلاءِ بِذَلِكَ: أَنْ يَكْثُرَ وُجُودُهُ بِحَيْثُ يَقِلُّ خُلُوُّهُ مِنْهُ (?) وَاسْتَثْنَوْا مِنَ الْقَيْءِ عَسَلَ النَّحْلِ فَقَالُوا: إِنَّهُ طَاهِرٌ لا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. (?)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لأَنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إِلَى الْفَسَادِ أَشْبَهَ الْغَائِطَ. (?)
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْقَيْءِ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الإِنْسَانِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ الأَصْلَ أَنْ لا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ خُولِفَ فِي الدَّمِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الأَصْلِ. (?)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ النَّجِسَ مِنَ الْقَيْءِ هُوَ الْمُتَغَيِّرُ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ، وَيَجِبُ غَسْلُهُ عَنِ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْمَكَانِ، فَإِنْ كَانَ تَغَيُّرُهُ بِصَفْرَاءَ أَوْ بَلْغَمٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ فَطَاهِرٌ. (?)
فَإِذَا تَغَيَّرَ بِحُمُوضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ سَنَدٌ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ خِلافًا لِلتُّونِسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ حَيْثُ قَالُوا: لا يَنْجُسُ الْقَيْءُ إِلا إِذَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ. (?)