(خ م د) , عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (?) (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ) (?) (كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ , قَالَ: " تَحُتُّهُ , ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ , ثُمَّ) (?) (لْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ , وَلْتُصَلِّ فِيهِ ") (?)
الشَّرْح:
(جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ , كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟)
(قَالَ: تَحُتُّهُ) أَيْ: تَقْشُرهُ وَتَحُكّهُ وَتَنْحِتهُ. النووي (110 - 291)
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ إِزَالَةُ عَيْنِهِ. فتح227
قَالَ الْأَزْهَرِيّ: الْحَتّ , أَيْ: يَحُكُّ بِطَرَفِ حَجَرٍ أَوْ عُودٍ. عون361
(ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ) أَيْ: تُدَلِّكُ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ. فتح227
قَالَ الْأَزْهَرِيّ: الْقَرْص: أَنْ يَدْلُك بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع وَالْأَظْفَار دَلْكًا شَدِيدًا , وَيَصُبّ عَلَيْهِ الْمَاء , حَتَّى تَزُولَ عَيْنُه وَأَثَرُه. عون361
والحاصل أن قوله: (تَحُتُّهُ) المراد به: الفرك يابسا , وقوله: (تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ) المراد به الدلك مع صبِّ الماء ليتحلَّل. ذخيرة293
(ثُمَّ لْتَنْضَحْ) أَيْ: تَغْسِلَهُ , قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. فتح227
(مَا لَمْ تَرَ) أَيْ: الْمَوْضِع الَّذِي لَمْ تَرَ فِيهِ أَثَر الدَّم وَلَكِنْ شَكَّتْ فِيهِ. عون360
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّشُّ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الدَّمِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ لِمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ. فتح227
قُلْتُ: ويؤيد ما ذهب إليه القرطبي رواية الترمذي (138) فهي صريحة في ذكر الرَّشّ: " حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالمَاءِ، ثُمَّ رُشِّيهِ، وَصَلِّي فِيهِ ".ع
قَالَ الْحَافِظُ: فَعَلَى هَذَا , فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَنْضَحُهُ يَعُودُ عَلَى الثَّوْبِ بِخِلَافِ " تَحُتُّهُ " فَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الدَّمِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ , وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
قَالَ الْحَافِظُ: ثُمَّ إِنَّ الرَّشَّ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ , فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. فتح227
(ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) أَيْ: في ذلك الثوب الذي طهر على الكيفية المذكورة , وهو أمر إباحة , لأنه لا يجب عليها أن تصلي في ذلك الثوب إذا كان لها ثوب غيره. ذخيرة293
فَوائِدُ الْحَدِيث:
فِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ عَمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ، وَالْإِفْصَاحُ بِذِكْرِ مَا يُسْتَقْذَرُ لِلضَّرُورَةِ. فتح307
وَأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ كَغَيْرِهِ مِنَ الدِّمَاءِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ. فتح307
وأن طهارة السترة شرط لصحة الصلاة. ذخيرة293
وأن المرأة تصلي في الثوب الذي تحيض فيه , وإن أصابه دم الحيض إذا غسلته , فلا يلزمها إعداد ثوب آخر للصلاة. ذخيرة293
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فَرْكِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ لِيَهُونَ غَسْلُهَا. فتح307
وَفِيهِ أَنَّ إِزَالَة النَّجَاسَة لَا يُشْتَرَط فِيهَا الْعَدَد بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْإِنْقَاء. النووي (110 - 291)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَاتِ إِنَّمَا تُزَالُ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ بِمَثَابَةِ الدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِجْمَاعًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ: تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى تَعْيِينِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ , وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الشَّرْطِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ , فَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ بِالْقِيَاسِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْفَرْعُ عَنِ الْأَصْلِ فِي الْعِلَّةِ , وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ رِقَّتِهِ وَسُرْعَةِ نُفُوذِهِ , فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. فتح227