(خ م ت حم) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ, " فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (?) (فَقَالَ: أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا؟ , ثُمَّ دَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ؟ ") (?) (فَقَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ: نَأخُذُ مَسْكَ (?) شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " إِنَّمَا قَالَ اللهُ - عزَّ وجل -: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً , أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا , أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} (?) قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ) (?) (وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) (?) (فَإِنْ تَدْبُغُوهُ) (?) (فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ ") (?) (قَالَ: فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ , فَأَخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا) (?).
الشَّرْح:
(تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ) هي ميمونة بنت الحارث الهلالية , أم المؤمنين , خالة ابن عباس.
(فَمَاتَتْ, " فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا؟ , ثُمَّ دَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ؟) أَيْ: اِسْتَنْفَعْتُمْ بِهِ.
(فَقَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ: نَأخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟) الْمَسْكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْجِلْدُ. فتح5532
كَأَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ تَأمُرُنَا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْنَا؟ , فَبَيَّنَ لَهُمْ وَجْهَ التَّحْرِيمِ. فتح5531
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " إِنَّمَا قَالَ اللهُ - عزَّ وجل -: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً , أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا , أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ) (وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) قال القرطبي: خرج على الغالب مما تُراد به اللحوم , وإلا فقد حرم حملُها في الصلاة , وبيعها , واستعمالها , وغير ذلك مما يحرم من النجاسات. المفهم ج1ص610
(فَإِنْ تَدْبُغُوهُ) الدِّبَاغُ: بِكَسْرِ الدَّالِ عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ الْجِلْدَ مِنْ الْفَسَادِ فَهُوَ دِبَاغٌ. تحفة1727
(فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ ")
فَوائِدُ الْحَدِيث:
(تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ) استُدلَّ به على جواز دفع الزكاة لموالي أزواج النبي وقد ترجم له البخاري في صحيحه بقوله: باب الصدقة على موالي أزواج النبي , ثم أورد حديث ابن عباس هذا. ذخيرة4236
قَالَ الْحَافِظُ: نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُنَّ - أَيِ الْأَزْوَاجَ - لَا يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ (أَيْ: تحريم الصدقة على آل البيت) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ , فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الْخَلَّالَ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا.
قُلْتُ: وَإِسْنَادُهُ إِلَى عَائِشَةَ حَسَنٌ، وأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا: {إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَأَنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، كَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ... . وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَجُوزُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَوَّضُوا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ: " مِنْهُمْ ". أَوْ: " مِنْ أَنْفُسِهِمْ ". هَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُسَاوَاةَ فِي حُكْمِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ أَوْ لَا؟ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ، لَكِنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِ الصَّدَقَةِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ السَّبَبَ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا: هَلْ يُخَصُّ بِهِ أَوْ لَا؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا لِمَوَالِي الْأَزْوَاجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ لَيْسُوا فِي ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْآلِ فَمَوَالِيهِمْ أَحْرَى بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: إِنَّمَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ لِيُحَقِّقَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ لَا يَدْخُلُ مَوَالِيهِنَّ فِي الْخِلَافِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِئَلَّا يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِدُخُولِ الْأَزْوَاجِ فِي الْآلِ أَنَّهُ يَطَّرِدُ فِي مَوَالِيهنَّ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ. فتح1492
(د) , قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُنْكِرُ الدِّبَاغَ، وَيَقُولُ: " يُسْتَمْتَعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" (?)
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الزُّهْرِيّ أَنَّهُ يَقُول يُنْتَفَع بِجُلُودِ الْمَيْتَة عَلَى كُلّ حَال دُبِغَتْ أَوْ لَمْ تُدْبَغ، وَتَمَسَّكَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْر الدِّبَاغ، وَيُجَاب بِأَنَّهَا مُطْلَقَة وَجَاءَتْ الرِّوَايَات الْبَاقِيَة بِبَيَانِ الدِّبَاغ وَأَنَّ دِبَاغه طَهُوره. عون4122
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ يَحْتَجّ الزُّهْرِيّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا اِنْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا) وَلَمْ يَذْكُر دِبَاغهَا، وَيُجَاب عَنْهُ بِأَنَّهُ مُطْلَق وَجَاءَتْ الرِّوَايَات الْبَاقِيَة بِبَيَانِ الدِّبَاغ، وَأَنَّ دِبَاغه طَهُوره. وَاَلله أَعْلَم. (م) 100 - (363)
قَوْلُهُ: (أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا ثُمَّ دَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جُلُودَ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا أَيَّ اِسْتِمْتَاعٍ كَانَ إِلَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَأَمَّا قَبْلَ الدِّبَاغِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ ذِكْرُ الدِّبَاغِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالدِّبَاغِ. تحفة1727
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِيهِ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَفْهَمُ السَّامِعُ مَعْنَى مَا أَمَرَهُ. فتح5531
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا ". يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَا عَدَا مَا يُؤْكَلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. فتح (1/ 272)
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فِي كُلِّ حَالٍ، فَخَصَّتِ السُّنَّةُ ذَلِكَ بِالْأَكْلِ. فتح5531